وقال الراغب :" جُثَّةٌ الشيء : شخصه النَّاتىء، والمُجَيَّةُ : ما يجثُّ بِهِ والجَثِيثَةُ لما بَانَ جُثَّتهُ بعد طَبْخهِ، والجَثْجَاثُ : نَبْتٌ ".
و " مِنْ قرارٍ " يجوز أن يكون فاعلاً بالجار قبله لاعتماده على النَّفي، وأن يكون مبتدأ، والجملة المنفية إمَّا نعت لـ " شَجَرةٍ " وإمَّا حال من ضمير :" اجْتُثَّتْ ".
فصل في المراد بالشجرة الخبيثة الكلمة الخبيثة هي الشرك :" كَشجَرةٍ خَبِيثةٍ " وهي الحنظلُ وقيل : هي الثوم.
وقيل : هي الكشوث وهل العسَّة، وهي شجرةٌ لا ورق لها، ولا عروق في الأرض.
[قال الشاعر :] [البسيط] ٣٢١٨ـ..........................
وهيَ كَشُوثٌ فلا أصْلٌ ولا ثَمَر
وعن ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ أنَّها شجرة لم تخلق على وجهِ الأرض.
" اجْتُثَّت " اقتلعت من فوق الأرض " مَا لهَا من قرارٍ " ثابت، أي : ليس لها أصلٌ ثابتٌ في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء، كذلك الكافر لا خير فيه، ولا صعد له قولٌ طيب، ولا عمل صالح.
٣٨١
فصل قوله تعالى :﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾ كلمة التوحيد، وهي قوله : لا إله إلا الله ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني قبل الموت، ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ يعني في القبر هذا قول أكثر المفسرين.
وقيل :﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ في القبر عند السؤال ﴿وَفِي الآخِرَةِ﴾ عند البعث، والأول أصح، لما روى البراء بن عازب أنَّ رسول الله ﷺ قال :" المُسْلِمُ إذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشهَدُ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحمَّداً رَسُولُ اللهِ، فذَلِكَ قولهُ سُبحانَهُ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ قال حين يُقالُ لَهُ : مَن ربُّكَ ؟ ومَا دِينُكَ ؟ ومَنْ نَبيُّكَ ؟ فيقول : الله ربِّي، ودينِي الإسلامُ، ونَبِيِّي مُحمَّدٌ " وا االمشهور أن هذه الآية وردت في سؤال الملكين في القبر، فيلقّن الله المؤمن لكمة الحق في القبر عند السؤال، ويثبته على الحق.
ومعنى " الثَّابِتِ " هو أنَّ الله ـ تعالى ـ إنَّما يثبتهم في القبر لمواظبتهم في الحياة الدنيا على هذا القول.
قوله :" بالقَوْلِ " فيه وجهان : أحدهما : تعلقه بـ " يُثَبِّتُ ".
والثاني : أنه متعلق بـ " آمنُوا ".
وقوله تعالى :﴿فِي الْحَيَاةِ﴾ متعلق بـ " يُثَبِّتُ " ويجوز أن يتعلق بـ " الثَّابتِ ".
ثمَّ قال تعالى :﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ أي : لايهدي المشركين للجواب بالصواب في القبر ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ من التوفيق والخذلان والتثبيت، وترك التثبيت.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٧٨
قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً﴾ الآية اعلم أنَّه ـ تعالى ـ عاد إلى وصف الكافرين فقال ـ عز وجل ـ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ﴾.
قال ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ :﴿الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً﴾ هم والله كفار قريش " بدَّلُوا " أي : غيروا " نعِْمةَ اللهِ " عليم في محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حيث ابتعثه الله
٣٨٢
منهم كفروا به :" أحَلُّوا " أنزلوا :" قَوْمهُمْ " من على كفرهم :" دَارَ البَوارِ " الهلاك.
ثم بيَّن دار البوار فقال :﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ المستقر، وقال عليٌّ : هم كفار قريش نُحروا يوم بدرٍ.
وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو [مخزوم]، فأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين، وأما بنو مخزوم، [فأهلكوا] يوم بدر قاله على ابن أبي طالب، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.
وعن ابن عباس وقتادة ـ رضي الله عنهما ـ : نزلت في منتصري العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه.
وقال الحسنُ ـ رضي الله عنه ـ : هي عامَّة في جميع المشركين.
قوله تعالى :﴿بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً﴾ فيه أوجه : أحدها : أن الأصل : بدلوا شكر نعمة الله كفراً، كقوله تعالى :﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة : ٨٣] أي شكر رزقكم ؛ وجب عليهم الشكر ؛ فوضعوا موضعه الكفر.
والثاني : أنَّهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنَّهم لما كفروها سلبوها، فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلاً لهم، قالهما الزمخشريُّ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف مضاف، وقد تقدَّم أن " بدَّل " يعتدى لاثنين : أولهما : من غير حرف.
والثاني : بالباء، وأن الجمهور هو المتروكم والمنصوب هو الحاصل، ويجوز حذف الحروف فيكون المجرور بالباء هنا هو " نِعْمَةٌ " ؛ لأنها المتروكة.
وإذاً عرف أنَّ قول الحوفي، وأبي البقاءِ : أن " كُفْراً " هو المفعولُ الثاني ليس بجيد ؛ لأنه هو الَّذي يصلُ إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر، ما كان كذا فهو المفعول الأول.
قوله :﴿جَهَنَّمَ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
٣٨٣


الصفحة التالية
Icon