ماء ثمَّ قال إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ منطلقاً، فتبعته هاجر، فقالت : يا إبراهيم إلى من تكلنا ؟ فقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى الله، فقالت له : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم، قالت : إذن لا يضيعنا، ثمَّ رجعت، فانطلق إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حتَّى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثمَّ دعا الله بقوله :﴿رَّبَّنَآ إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ الآية ثمَّ إنها عطشت وعطش الصبي ؛ فجعل يتلوى، وهي تنظر إليه، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمَّ استقبلت الوادي تنظر أحداً، فلم تر أحداً، وهبطت من الصَّفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثمَّ سمعت سعي المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقالت عليها ونظرت هل ترى أحداً ؟ فمل ترا أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : قال النبي ﷺ :" فلِذلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهمَا " فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت : صه! تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت، فقالت : قد أسمعتن إن كان عندك غواث! فإذا هي بالملك عند مضع زمزم ؛ فضرب بعقبه حتَّى ظهر الماء، أو قال : فضرب بجناحه فغارت عينها، قال رسول الله ﷺ :" رَحِمَ الله أمَّ إسْمَاعِيلَ لَولا أنَّها عَجلتْ لكَانَتْ زَمْزمُ عَيْناً مَعيناً ".
ثمَّ إنَّ إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عاد بعد كبر إسماعيل، وأقرَّاهو وإسماعيل قواعد البيت.
قال القاضي :" أكثر الأمور المذكورة في هذه القصَّة بعيدة ؛ لأنه لا يجوز لإبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن ينقل ولده حيث لا طعام ولا ماء معه مع أنه كان يمكنه أن ينقلهما إلى بلدة أخرى من بلاد الشام لأجل قول سارة إلا إذا قلنا : إنَّ الله أعلمه أنه يجعل هناك ماء وطعام ".
وقوله :﴿مِن ذُرِّيَّتِي﴾، أي إسماعيل وأولاده بهذا الوادي الذي لا زرع فيه.
﴿لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ﴾ قال المفسرون : جمع، وقد تهوى : تحن وتشتاقُ إليهم.
قال السدي : معناه : وأمل قلوبهم إلى هذا الموضع.
قال مجاهدٌ : لو قال : أ فئدة النَّاس لزاحمكم فارس والروم والترك والهند.
٤٠٠
وقال سعيد بن جبير : لحجَّتِ اليهود، والمجوس، ولكنه قال :﴿أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ﴾ فهم المسلمون.
﴿ارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾ ممَّا رقزت سكان القرى ذوات الماء :﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ وذلك يدعل على أن المقصود من منافع الدنيا : أن يتفرغ لأداء العبادات.
ثم قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ :﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ ما أمرونا.
قال ابن عباس ومقاتل : من الوجد بإسماعيل، وأمه حيث أسكنهما بوادٍ غير ذي زرع.
﴿وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ﴾.
قيل : هذا كله قول إبراهيم عليه السلام، وقال الأكثرون : قول الله تعالى ؛ تصديقاً لقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى :﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ﴾ وجهان : أحدهما : أن " عَلَى " على بابها من الاستعلاء المجازي.
والثاني : أنها معنى " مع " كقوله :[المنسرح] ٣٢٣٣ـ إنِّي على مَا تَريْنَ مِنْ كِبَرِي
أعْلَمُ من حَيْثُ تُؤكَلُ الكَتِفُ
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٩٢
قال الزمخشري :" ومحلّ هذا [الجار] النصب على الحال من الياء في " وهَبَ لِي " ".
الآية تدلُّ على أنه ـ تعالى ـ أعطى إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ على الكبر والشيخوخة فأمَّا مقدار السنة فغير معلوم من القرآن، فالمرجعُ فيه إلى الروايات.
فروي لما ولدت إسماعيل كمان سن إبراهيم ـ صولات الله وسلامه عليه ـ تسعاً وتعسين سنة، ولما ولد إسحاق ك ان سنة مائة واثنتي عشرة سنة.
وقيل : ولد إسماعيل لأربع وستين سنة، وولد إسحاق [لتسعين] سنة.
وعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ لم يولد لإبراهيم ﷺ إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة، [وإنما ذكر هذا الكبر ؛ لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم ؛ ] لأنه زمن اليأس من الولد.
٤٠١


الصفحة التالية
Icon