فصل في معنى الآية المعنى : لو كنت صادقاً في أدَّعائك النُّبوَّة، لأتيتنا بملائكة يشهدون عندنا بصدقكم فيما تدَّعيه من الرسالة ؛ ونظيره قوله تعالى في الأنعام :﴿وَقَالُواْ لَوْلا اا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [الأنعام : ٨] ويحتمل أن النبيَّ ﷺ لمَّا خوَّفهُم بنزول العذاب، قالوا : لو ما تأتينا بالملائكة الذين ينزلون العذاب، وهو المراد من قوله :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ [العنكبوت : ٥٣].
ثم إنه ـ تعالى ـ أجاب عن شبهتهم بقوله :﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ﴾ فإذا كان المراد الأول، كان تقرير الجواب : أنَّ إنزال الملائكة لا يكون إلا بالحقِّ، وقد علم الله تعالى من حال هؤلاء الكفار، أنه لو أنزل عليهم ملائكة، لبقوا مصرِّين على كفرهم، فيصير إنزالهم عبثاً باطلاً، ولا يكون حقًّا، فلهذا السبب ما أنزل الله ـ تعالى ـ الملائكة.
قال المفسرون : المراد بالحق ـ هنا ـ الموت، أي : لا ينزلون إلا بالموتِ، أو بعذابٍ الاستئصال، ولم يبق بعد نزولهم إنظارٌ، ولا إمهال، ونحن لا نريد عذاب الاستئصال بهذه الأمة ؛ فلهذا السبب ما أنزلنا الملائكة، وإن كان المراد استعجالهم بنزول العذاب فتقرير الجواب : أنَّ الملائكة لا تنزل إلاَّ بعذاب الاستئصال، ولا تفعل بأمَّة محمد ﷺ ذلك ؛ بل يمهلهم لما علم من إيمان بعضهم، ومن إيمان أولاد الباقين.
قوله :﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ﴾، قرأ أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ :" ما تُنزَّلُ " بضمِّ التاء، وفتح النون، والزاي مشدَّدة، مبنيًّا للمفعول، " المَلائِكةُ " : مرفوعاً لقيامه مقام فاعله، وهو موافقٌ لقوله تعالى :﴿وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً﴾ [الفرقان : ٢٥] ؛ لأنها لا تنزل إلاَّ بأمر من الله ـ تعالى ـ فغيرها هو المنزِّلُ لها، وهو الله ـ تعالى ـ.
وقرأ الأخوان، وحفص : بضمِّ النون الأولى، وفتح الثانية، وكسر الزاي مشددة مبنيًّا للفاعل المعظم نفسه وهو الباري ـ جل ذكره ـ.
" المَلائِكةَ "، نصباً : مفعول به ؛ وهو موافق لقوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلا اائِكَةَ﴾ [الأنعام : ١١١]، ويناسب قوله قبل ذلك :" ومَا أهْلَكْنَا "، وقوله بعده :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا﴾ [الحجر : ٩]، ـ وما بعده من ألفاظ التَّعظيم.
والباقون من السبعة ما تنزَّلُ بفتح التاء والنون والزاي مشددة، و " المَلائِكةُ " مرفوعة على الفاعلية، والأصل : تَتنَزَّلُ، بتاءين، فحذفت إحداهما، وقد تقدم تقريره في :
٤٣١


الصفحة التالية
Icon