وسُمِّي الكَوكَبُ شِهَاباً، لأنَّ بَريقَهُ يُشْبِه النَّار.
وقيل : شهابٌ شُعلة من نار تبين لأهل الأرضِ، فتحرقهم ولا تعود إذا أحرقتهم، كما إذا أحرقت النارُ، لم تعد، بخلاف الكواكب فِإنه إذا أحرق، عاد إلى مكانه.
فصل قال ابن عبَّاسٍِ ـ رضي الله عنه ـ :" إلاَّ مِنَ اسْترقَ السَّمْعَ " يريد الخفطة اليسيرة، وذلك أن الشياطين يركبُ بعضهم بعضاً إلى سماء الدنيا يسترقون السمع من الملائكة، فيُرمون من الكواكب، فلا تخطيء أبداً، فمنهم من يقتله، منهم من يحرقُ وجهه وجنبه ويده حيث يشاء الله، ومنهم من تخبله ؛ فيصير غولاً ؛ فيقتل الناس في البراري.
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : قال : قال رسول الله ﷺ " إذَا قَضَا اللهُ الأمْرَ فِي السَّماءِ، ضَربَتِ المَلائِكةُ بأجْنِحَتهَا خضعاناً لقوله كَأنَّه سِلسِلَةٌ على صِنْوانٍ، فإذَا فزعَ عَنْ قُلوبِهمْ، قالوا : مَاذَا قَال ربُّكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذي قَالَ الحَقُّ وهُوَ العليُّ الكَبيرُ، فَيُسْمعها مُسْترِقُ السَّمع، مُسْترِقُ السمعِ هَكَّذَا بَعضهُ فَوْقَ بَعْضٍ، ووَصفَ سُفْيَانُ بِكفِّه فحرَّقها وبدَّدَ بيْنَ أصَابعهِ، فيَسْمَعُ الكَلِمة، فيُلْقِهَا إلى مَنْ تَحْتهُ ثُمَّ يُلْقيها الآخرُ إلى مَنْ تَحْتهُ، حتَّى يُلقِيهَا على لِسانِ السَّاحر، والكَاهنِ، ورُبّضما أدْركهُ الشِّهابُ قبْلَ ِِأنْ يلقِيهَا، ورُبَّما ألْقَاهَا قبلَ أن يُدرِكَهُ، فيَكذِب مَعَهَا مِائةَ كِذْ، فيقالُ : ألَيْس قد قَالَ لَنَا اليَوْمَ كَذَا وكَذَا، فيصدق بتِلْكَ الكَلمةِ الَّتي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ ".
وهذا لم يكن ظاهراً قبل أن يبعث الرسول ﷺ ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمانه عليه السلام وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساساً لنبوته صلى الله عليه وسلم.
قال يعقوب من عتبة بن المغيرة بن الأخنسِ بن شريق : إنَّ أول من قرع للرَّمي بالنجوم، هذا الحيُّ من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجُلٍ منهم يقال له : عمر بنُ امَّة، أحدُ بني علاج، وكان أدْهَى العرب، فقالوا له : ألَمْ تَرَ مَا حَدثَ في السماء من القذف بالنُّجُومِ ؟ قال : بلى فانظروا، فإن كانت معالمُ النجوم التي يُهْتدَى بها في البرِّ، والبَحْر، ويعرف بها الأنواءُ من الصيف، والشتاء، لما يصلحُ الناس من معايشهم، هي التي يرمى بها، فهي ـ والله ـ طيُّ الدنيا، وهلاك الخلق الذين فيها، وإن كان نجوماً غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا الأمر أراد الله لهذا الخلق.
قال معمرٌ : قلت للزهريِّ : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم، قال :
٤٤٠
أفرأيت قوله :﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ [الجن : ٩] الآية قال : وقد غلظتْ، وشدِّد أمرها حيث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قتيبة : إنَّ الرجم كان قبل مبعثه، ولكن لم يكن في شدة الحراسة بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إن النجم ينقضُّ، ويرمي الشيطان، ثم يعود إلى مكانه.
فصل قال القرطبي :" اختلفوا في الشِّهاب : هل يقتل أم لا ؟.
فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الشِّهاب يَجرح، ويَحرِقُ، ويُخْبلُ، ولا يَقْتلُ.
وقال الحسنُ، وطائفةٌ : يقتل، فعلى هذا في قتلهم بالشهب قبل إلقائها السمع إلى الجنِّ قولان : أحدهما : يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن، ولذلك ما يعودون إلى استراقه.
والثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم، ولو لم يصل لا نقطع الاستراق، وانقطع الاحراقُ، ذكره الماوردي ".
قال القرطبي :" والقول الأول أصح ؛ على ما يأتي بيانه في " الصافات " ".
فصل قال ابن الخطيب :" في هذا الموضع أبحاثٌ دقيقة على ما ذكرناها في سورة الملك، وفي سورة الجن، ونذكر ههنا إشكالاً واحداً وهو : أنّ لقائل أن يقول : إذا جوَّزتم في الجملة، أن يصعد الشيطان إلى السماوات، ويختلط بالملائكةِ، ويسمع أخبار الغيوب منهم، ثم إنه ينزل، ويلقي تلك الغيوب، فعلى هذا يجب أن يخرج الإخبار عن المغيَّبات عن كونه معجزاً، لأنَّ كل غيبٍ يخبر عنه الرسول ﷺ يقوم فيه هذا الاحتمال ؛ فيخرجُ عن كونه معجزاً دليلاً عل الصدقِ، ولا يقال : إن الله ـ تعالى ـ أخبر عنهم أنَّهم عجزوا بعد مولد النبي ﷺ ؛ لأنَّا نقول : هذا العجز لا يمكن إثباته إلا بعد القطع بكون محمدٍ ﷺ وبكون القرآن الكريم حقًّا، والقطع بهذا، لا يمكن إلاَّ بواسطة المعجز، وكون الإخبار عن الغيب معجزاً، ولا يثبت إلا بعد إبطال هذا الاحتمال، وحينئذٍ يلزم الدور، وهو محالٌ باطلٌ.
ويمكن أن يجاب عنه : بانا نثبت كون محمدٍ ﷺ رسولاً، بسائر المعجزات، ثم بعد
٤٤١