واتَّصل الضميران هنا : لاختلافهما ربتة، ولو فصل ثانيهما، لجاز عند غير سيبويه وهذا كما تقدم في قوله تعالى :﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ [هود : ٢٨].
قوله تعالى :﴿وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ جملة مستأنفة، و " لَهُ " متعلق بـ " خَازِنينَ "، والمعنى : أنَّ المطر في خَزائِننِا، ولا في خَزائِنكُمْ.
[وقال سفيان : لستم بمانعين].
قوله تعالى :﴿وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾ الآية، هاذ النَّوع السادس من دلائل التوحيد، وهو الاستدلال بالإحياء، والإماتةِ على وجودِ الإلهِ القادر المختار.
قوله :" لَنَحْنُ " يجوز أن يكون مبتدأ، و " نُحْيِي " خبره، والجملة خبر " إنا " ويجحوز أن يكون تأكيداً لـ " إنَّا "، ولا يجوز أ، يكون فصلاً ؛ لأ، ه لم يقع بين اسمين، وقد تقدم نظيره [الحجر : ٩].
وقال أبو البقاء : لا يكون فصلاً لوجهين : أحدهما : أن بعده فعلاً.
والثاني : أنَّ معه اللام.
قال شهابُ الدِّين ـ رحمه الله ـ :" الوجه الثاني : غلطٌ ؛ فشإن لام التوكيد لا يمنع دخولها على الفصل، نصَّ النحاة على ذلك، ومنه قوله ﴿إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ [آل عمران : ٦٢]ٍ، جوَّزوا فيه الفصل مع إقرانه باللام ".
فصل من العلماءِ من حمل الأحياء على القدرِ المشتركِ بين إحياءِ النبات والحيوان، ومنهم من قال : وصف النبات بالإحياء مجاز ؛ فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان، وقوله ـ جل ذكره ـ :﴿وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾ يفيد الحصر، أي : لا قدرة على الإحياء والإماتة إلا لنا، " ونَحْنُ الوَارثُونَ " إذا مات جميع الخلائق، فحينئذٍ يزول الملك كلِّ أحدٍ، ويكون الله ـ سبحانه ـ هو الباقي المالك لكلِّ المملوكات، وحده لا شريك له، فكان شبيهاً بالإرثِ.
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾ قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ المستقدمين : الأموات، والمستأخرين : الأحياءُ.
وقال الشعبيُّ ـ رضي الله عنه ـ : الأولين، والآخرين.
وقال عكرمة : المستقدمون : من خلق الله، والمستأخرون : من لم يخلق.
٤٤٨
وقيل : المستقدمين : القرون الأولى، والمستأخرين : أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسن : المستقدمين : في الطَّاعة والخير، والمستأخرين : في صفِّ القتال.
وقال ابن عيينه : أراد من سلم، ومن لم يسلم.
وقال الأوزاعيُّ : أ راد المصلِّين في أول الوقت، المؤخِّرين إلى آخره.
روى أبو الجوزاء، عن ابن عباس : كانت امرأةٌ حسناء تصلِّي خلق النبي ﷺ فكان قومٌ يتقدمون إلى الصف الأول ؛ لئلا يرونها، وآخرون يتأخَّرون، ليرونها.
وفي رواية : أنَّ النساء كنَّ يخرجن إلى الجماعة، فيقفن خلف الرجال، من النساء من في قلبها ريبة، فتقدم إلى أول صفِّ النساء ؛ لتقرب من الرجال ؛ فنزلت الآية، فقال النبي ﷺ :" خَيْرُ صُفوفِ الرِّجالِ أوَّلُها وشَرُّها أخرُهَا، وخَيْرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُهَا وشَّرُّهَا أوَّلُهَا ".
وروري أنَّ النبي ﷺ رغَّب في الصف الأول في الصلاة [فازدحم] النس عليه ؛ فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ هذه الآية.
والمعنى : إنَّا نجزيهم على قدر نيَّاتهم.
فصل قال القرطبي :" الآية تدلُّ على فضل أول الوقت في الصلاة، وعلى فضل الصف الأوَّل، كما تدل على فضل الصف الأول في الصَّلاة، كذلك تدلُّ على فضل الصفِّ الأول في القتال' فإنَّ القيام في وجه العدوِّ، وبيع العبد نفسه من الله ـ تعالى لا يوازيه عملٌ، ولا خلاف في ذلك ".
واعلم أنَّ ظاهر الآية يدل على أنه لا يخفى على الله شيء من أحوالهم ؛ فيدخل فيه
٤٤٩
علمه بتقدّمهم، وتأخرهم، في الحدوثِ، الوجود في الطاعات وغيرها ؛ فلا ينبغي أن تخص بحالةٍ دون حالةٍ.
ثم قال تعالى :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ﴾ على ما علم منهم، وذلك تنبيه على أنَّ الحشر، والنشر، البعث، والقيامة، أمرٌ واجبٌ ﴿إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ أي : أنَّ الحكمة تقتضي وجوب الحشر، والنشر، وعلى ما تقرر في أول سورة يونس ـ عليه السلام ـ.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٤٣٨