والجَّانُّ : أبُو الجنّ، هو إبليس ؛ كآدم أبي الإنسِ، وقيل : هو اسمٌ لجنسِ الجن.
وقرأ الحسن :" والجَأن " بالهمز، وقد تقدّم الكلام في ذلك في أواخر الفاتحة.

فصل قال ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ : الجان ِأبو الجن ؛ كما أن آدم أبو البشر، وهو قول الأكثرين.


وروي أيضاً عن ابن عباسٍ، والحسن، ومقاتل، وقتادة ـ رضي الله عنهم ـ : هو إبليس، خلق قبل آدم.
وقيل : الجانُّ أبو الجن : وإبليس أبو الشياطين، وفي الجنِّ : مسلمون، وكافرون، ويحيون ويموتون، وأما الشيَّاطين ؛ فليس سفهم مسلمون، ويموتون إذا مات إبليس.
وذكر وهبٌ : أنَّ من الجن من يولد له، ويأكلُونَ، ويشربون بمنزلة الآدميِّين، ومن الجن من هم بمنزلةِ الرِّيح : لاتوالدون، ولا يأكلون، ولا يشربون.
قال ابن الخطيب :" والأصحُّ أن الشياطين قسمٌ من الجن، فمن كان منهم مؤمنٌـ فإنه لا يسمَّى بالشيطان، ومن كان منهم كافرٌ، سمِّي بهذا الاسم.
وسمُّوا جنًّا ؛ لاستتارهم عن الأعين، ومنه يسمَّى الجنينُ ؛ لاستتاره عن الإعين، في بطن أمِّه، والجنَّةُ : ما تَقِي صابحها، وتستره، ومنه سمِّيت الجنة ؛ لا ستتارها بالأشجار ".
قوله تعالى :﴿مِن قَبْلِكَ﴾، و " مِن نَارٍ " متعلقان بـ : خَلَقْنَاهُ " ؛ لأنَّ الأولى لابتداءِ الغاية، والثانية للتعبيض، وفيه دليلٌ على أنَّ " مِنْ " لابتداءِ الغاية في الزمان، وتأويل البصريين له، ولنظائره بعيد.
فصل قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ :" يريد قبل خلق آدم صلوات الله وسلامه عليه " ز والسَّمومُ : ما يقتل من إفراطِ الحرّ من شمس، أو ريح، أو نار ؛ لأنها تدخل المسامَّ فتَقْتلُ.
قيل : سُمِّيت سمُوماً ؛ لأنها بلطفها تدخل في مسامِّ البدن، وهي الخروقُ الخفيَّة التي تكون في جلد الإنسان، يبرز منها عرقه وبخار بطنه.
٤٥٤
وقيل : السَّمومُ ما كان ليلاً، والحرورُ ما كان نهاراً.
وعن ابن عباس : نارٌ لا خانلها.
قال أبو صالح : والصَّواعِقُ تكون منها، وهي نار بين السماء وبين الحجاب، فإذا أحدث الله أمراً، خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت به، فالهَدَّةُ التي تسمعون ؛ خرق ذلك الحجاب.
وقيل : نار السموم : لهب النَّار.
وقيل : نارُ جهنَّم.
وروى الضحاك، عن ابن عباسٍ ـ رضي الله عنهما ـ : كان إبليس من جنسِ من الملائكة، يقال لهم الجن، خلقوا من نارِ السَّمومِ، وخلقت الجنُّ الذين ذكروا من مارج من نارِ، والملائكة خلقوا من نورٍ.
وقيل :﴿مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ من إضافةِ الموصوف لصفته.
قوله :﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ﴾ الآية، لما استدلَّ بحدوثِ الإنسان ؛ على وجود الإله القادر المختار ؛ ذلك بعده واقعته، وهو أنه تعالى ـ أمر الملائكة بالسجود له، والمراد بكونه بشراً، أي : جسماً يباشر ويلاقى، والملائكة، والجن لا يبشارون ؛ للطف أجسامهم، والبشرة : ظاهر الجِلدِ مِنْ كُلِّ حيوانٍ، وتقدَّم ذكر الصلصالِ، والحَمأ المَسْنُونِ.
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ أي : شكلته بالصورة الإنسانية، والخلقة البشرية.
وقيل : سوَّيتُ أجزاء بدنه : باعتدالِ الطَّبائعِ، وتناسب الأمشاجِ، نَفخْتُ فيه من روحي ؛ فصار بشراً حيًّا.
والرُّوحُ : جسمٌ لطيفٌ، يحيا به الإنسان، وقيل : الرُّوحُ : هي الرِّيح ؛ لأنَّ النَّفخ أخذ الريح في تجاويف جسم آخر ؛ فظاهر قوله :﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ يشعر بأنَّ الروح هي الريح، وإلا لما صحَّ وصفها بالنَّفخ، وسيأتي بقيةُ الكلام على الروح عند قوله :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء : ٨٥]، وأضاف روح آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى نفسه تشريفاً وتكريماً.
قوله تعالى :﴿فَقَعُواْ لَهُ﴾، يجوز أن تتعلق اللام بالفعل قبلها، وأن تتعلق بـ " سَاجِدينَ ".
فصل ظاهر قوله :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ يدل على وجوب
٤٥٥


الصفحة التالية
Icon