والقُنُط : شدَّة اليأسِ من الخَيرٍ، وحكى أبو عبيدة :" قَنُطَ " يَقْنُطُ بضمِّ النون.
قال ابن الخطيب :" وهذا يدلُّ على أنَّ " قَنَطَ " بفتح النون أكثر ؛ لأن المضارع من " فَعَل " يجيء على " يَفْعِلُ ويَفْعُل " مثل : فَسقَ : ويَفْسُقُ، لا يجيء مضارع فَعَلَ على يَفْعَلُ ".
فصل جواب إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حق ؛ لأنَّ الفنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلاَّ عند الجهل بأمور : أحدها : أن يجهل كونه ـ تعالى ـ قادراً عليه.
وثانيها : أن يجهل كونه ـ تعالى ـ عالماً باحتياج ذلك العبد إليه.
وثالثها : أ، يحجهل كونه ـ تعالى، منزّهاً عن البخل، والحاجة.
والجهل بكلِّ هذه الأمور سبب للضَّلالِ، القُنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكرهِ.
قوله تعالى :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ الخطب : الشأن، والأمر، سألهم عمَّا لأجله أرسلهم الله ـ تعالى ـ.
فِإن قيل : إنَّ الملائكة لما بشَّروه بالولد الذَّكر العليمِ، كيف قال لهم بعد ذلك " فَمَا خَطْبُكمُ " ؟.
فالجواب : قال الأصم : معناه : ما الذي وجتهم له سوى البُشْرَى ؟.
وقال القاضي : إنه علم أنه لو كان المقصود أيضاً البشارة، لكان الواحد من الملائكة كافياً، فلمَّا رأى جمعاً من الملائكة ؛ علم أنَّ لهم غرضاً آخر سوى إيصال البشارة، فلا جرم قال :" فَما خَطْبكُمْ " ؟.
قيل : إنَّهم قالوا : إنَّا نُبشِّركَ بغُلامٍ عَليم لإزالة الخوف، والوجل، ألا ترى أنّه لما قال :﴿إنا منكم وجلون﴾ قالوا له :﴿لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم﴾، فلو كان المقصود من المجيء هو البشارة ؛ كانوا ذكروا البشارة في أوَّل دخولهم، فلمَّا لم يكن الأمر كذلك علم إبراهيم ـ صلوات الله وسلام عليه ـ أنَّ مجيئهم ما كان لمجرَّد البشارة، بل لغرض آخر فلا جرم سألهم عن ذلك الغرض، قال :﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ مشركين، وإنَّما اقتصوار على هذا القدر، لعلم إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأنَّ الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين، كان ذلك لأهلاكهم.
ويدل ع لى ذلك قوله :﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قوله " إلا آل لُوطٍ " فيه وجهان :
٤٧١
أحدهما : أنه استثناء متصل علىأنه مسثنى من الضمير المستكن في :" مُجرمِينَ " بمعنى أجرموا كلهم إلاَّ آل لوطٍ ؛ فإنَّهم لم يجرموا، ويكون قولهم " إنَّا لمنجوهم " استئناف إخبار بنجاتهم، لكنهم لم يجرموا ولكن الإرسال حينئذ شاملاً للمجرمين ولآل لوط لإهلاك أولئك وأنجاء هؤلاء.
والثاني : أنه اسثناء منقطع ؛ لأن آل لوط لم يندرجوا في المجرمين آلبتَّة.
قال أبو حيان : وإذا كان استثناء منقطعاً، فهو مما يجبُ فيه النصب ؛ لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن توجيه العامل إلى المستثنى منه ؛ لأنهم لم يرسوال إليهم، إنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصَّة، ويكون قوله :" إنَّ لمُنجَّوهُمْ " جَرَى مَجْرى خبر لكن في اتِّصاله بـ " آل لوطٍ " ؛ لأن المعنى : لكنَّ آل لوط منجوهم، وقد زعم بعض النحويين في الاستثناء المنقطع المقدَّر بلكن، إذ لم يكن بعده ما يصحُّ أن يكون خبراً : أنَّ الخبر محذوف، وأنه في موضع رفع لجريان :" إلاَّ "، وتقديرها بـ " لَكِن ".
قال شهابُ الدِّين :" وفيه نظرٌ ؛ لأن قوله لا يتوجه إليه العامل أيك لا يمكن، نحو : ضحك القوم إلا حمارهم، وصهلت الخيلُ إلا الإبل.
أمَّا هذا، فيمكن الإرسال إليهم من غير منع، وأمَّا قوله : لأنهم لم يرسلوا إليهم فصحيح ؛ لأنَّ حكم الاستثناء كلَّه هكذا، وهو أن يكون خارجاً عمَّا حكم به على الأوَّل، لكنَّه لو سلط عليه لصحَّ ذلك بخلاف ما تقدَّم من أمثلتهم ".
قوله :﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قرأ الأخوان :" لمُنْجُوهمْ " مخففاً ؛ وكذلك خففا أيضاً فعل هذه الصيغة في قوله تعالى في العنكبوت ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [العنكبوت : ٣٢] ؛ وكذلك خففا أيضاً قوله فيها :﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾ [العنكبوت : ٣٣] فهما جاريتان على سننٍ واحدٍ.
وقد وافقهما ابن كثير، وأبو بكر على تخفيف :" مُنجوكَ " كأنهما جمعا بَيْنَ اللغتين، وباقي السبعة بتشديد الكل.
والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان من : نَجَّى وأنْجى، وأنزلَ، ونزَّل، وقد نطق بفعلهما، قال :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ﴾ [العنكبوت : ٦٥] وفي موضع ﴿أَنجَاهُمْ﴾ [يونس : ٢٣].
قوله :﴿امْرَأَتَهُ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه استثناء من " آل لُوطٍ ".
قال أبو البقاء ـ رحمه الله ـ :" والاستنثاء إذا جاء عبد الاستثناء كان الاستثناء الثاني مضافاً إلى المبتدا كقولك :" لهُ عِندِي عشرةٌ إلا
٤٧٢