الثالث : أن ينتصب بإضمار فعلٍ، فقدره الزمخشريُّ - رحمه الله - وخلقها زينة.
وقدره ابن عطيَّة وغيره : وجعلها زينةً.
الرابع : أنَّه مصدرٌ لفعلٍ محذوف أي :" ولتتَزيَّنُوا بِهَا زينةً ".
وقرأ قتادة عن ابن أبي عامر :" لتَرْكَبُوهَا زِينَةً " بغير واوٍ، وفيها الأوجه المتقدمة ؛ ويريد أن يكون حالاً من فاعل " لِترْكبُوهَا " متزينين.
فصل لمَّا ذكر منافع الحيوان التي ينتفع بها من المنافع الضرورية، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ليست بضرورية فقال :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾، والخيل اسم جنسٍ لا واحد له من لفظه كالإبل.
واحتجَّ القائلون بتحريمِ لحومِ الخيلِ ؛ وهو قول ابن عباسٍ، والحكم، ومالك، وأبي حنيفة - رضي الله عنهم - بهذه الآيةِ، قالوا : منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب، فلو كان أكل لحوم الخيل جائزاً ؛ لكان هذا المعنى أولى بالذِّكر، وحيث لم يذكره الله - تعالى - علمنا تحريم أكله.
ويقوِّي هذا الاستدلال : أنَّه قال - تعالى - في صفة الأنعام ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ وهذه الكلمة تفيد الحصر، فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعامِ فوجب أن يحرَّم أكل لحوم الخيل بمقتضى هذا الحصرِ.
ثمَّ إنَّه - تعالى - ذكر بعد هذا الكلام الخيل والبغال والحمير، وذكر سبحانه أنها مخلوقة للركوب، وهذا يقتضي أن منفعة الأكلِ مخصوصة بالأنعام.
وأيضاً قوله تعالى :﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ يقتضي أنَّ تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة، هو الركوبُ والزينةُ، ولو حلَّ أكلها لما كان تمامُ المقصود من خلقها هو الركوب، بل كان حلُّ أكلها أيضاً مقصوداً ؛ وحينئذٍ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصودِ ؛ بل يصير بعض المقصودِ.
وأجاب الواحديُّ - رحمه الله - : بأنَّه لو دلَّت هذه الآية على تحريم أكل الخيل ؛ لكان تحريم أكلها معلوماً في مكَّة ؛ لأنَّ هذه السورة مكية.
ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدِّثين إنَّ تحريم لحوم الحمر الأهلية كان عام خيبر باطلاً ؛ لأنَّ التحريم لما كان حاصلاًُ قبل هذا اليوم، لم يبق لتخصيص هذا التَّحريم بهذه [السنة] فائدة.
وأجاب غيره : بأنه ليس المراد من الآية بيان التَّحليل والتحريم ؛ بل المراد منه أن
١٧
يعرِّف الله - تعالى - عباده نعمه، وتنبيههم على كمالِ قدرته وحكمته.
واحتجُّوا بقولِ جابر - رضي الله عنه - :" نَهَى النبيُّ ﷺ يَوْمَ خَيْبرٍ عَنْ لَحومِ الحُمرِ ورخَّصَ في لُحومِ الخَيْلِ ".
ولمَّا ذكر - تعالى - أصناف الحيوانات المنتفع بها، ذكر بعده الأشياء التي لا ينتفع غالباً بها فذكرها على سبيل الإجمال.
فقال سبحانه وتعالى :﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وذلك لأنَّ أنواعها وأصنافها خارجة عن الإحصاء ؛ فذكر ذلك على سبيل الإجمال.
وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :" إنَّ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ نَهْراً مِنْ نُورٍ مِثلَ السَّمواتِ السَّبْع والبِحار السَّبعَة والأرضين السبع يَدخُل فيه جِبْريلُ - عليه الصلاة والسلام - كُلَّ سحرٍ فيزْدادُ نُوراً إلى نُورهِ وجَمالاً إلى جَمالهِ، ثُمَّ ينتفِضُ فيَخْلقُ الله - سبحانه وتعالى - مِنْ كُلِّ نُقْطَة تقع مِن رِيشهِ كذا وكذا ألْفَ مَلك، يَدخلُ مِنهُم كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ ألفاً البيتَ المَعْمُورَ، وفي الكَعْبةِ أيضاً سَبْعُون ألفاً لا يعُودُونَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ ".
قوله :﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ الآية والمعنى : إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحتها ؛ إزاحةً للعذرِ ؛ وإزالة للعلَّة ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال : ٤٢].
قوله :﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ الضمير يعود على السبيل ؛ لأنَّها تؤنث ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾ [يوسف : ١٠٨] أو لأنَّها في معنى سُبلٍ، فأنَّث على معنى الجمع، والقَصْدُ مصدرٌ يوصف به فهو بمعنى قاصد، يقال : سبيلٌ قصدٌ وقاصدٌ، أي : مستقيمٌ، كأنه يَقْصِدُ الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه.
وقيل : الضمير يعود على الخلائق ؛ ويؤيده قراءة عيسى، وما في مصحف عبد الله :" ومِنْكُمْ جَائِرٌ "، وقراءة عليّ :" فَمِنكُْ جَائِرٌ " بالفاء.
وقيل :" ألْ " في " السَّبيلِ " للعهد ؛ وعلى هذا يعود الضمير على السبيل التي تتضمنها معنى الآية ؛ لأنَّه قيل : ومن السبيل فأعاد عليها، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأنَّ مقابلها يدلُّ عليها، وأما إذا كانت " ألْ " للجنس فيعود على لفظها.
١٨
والجَوْرُ : العدول عن الاستقامة ؛ قال النابغة :[الطويل] ٣٣٠١ -.....................
يَجُورُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٧
وقال آخر :[الكامل] ٣٠٢ - ومِنَ الطَّريقَةِ جَائِرٌ وهُدًى
قَصْدُ السَّبيلِ ومِنْهُ ذُو دَخْلِ