أي : في سحابة، يعني به المطر الذي ينبت به الكلأ الذي تأكله الإبل فتسمن أسنمتها.
وقال ابنُ الأنباري - رحمه الله - :" هو على حذف مضافٍ إمَّا من الأول ؛ يعني قبل الضمير، أي : ومن جهته أو سقيه شجر، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي : شربُ شجرٍ أو حياة شجر ".
وجعل أبو البقاءِ : الأولى للتبعيض، والثانية للسببية ؛ أي : وبسببه غنباتُ شجرٍ، ودل عليه قوله - سبحانه وتعالى - ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ﴾.
والشجر ها هنا : كلُّ نباتٍ من الأرض حتَّى الكلأ، وفي الحديث :" لا تَأكلُوا ثمنَ الشَّجرِ فإنَّهُ سُحْتٌ " يعني : الكلأ ينهى عن تحجر المباحاتِ المحتاج إليها، وأنشدوا شعراً :[الرجز]
٣٣٠٤ - نُطْعِمُهَا اللَّحْمَ إذَا عَزَّ الشَّجَرْ
يريد : يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض، قاله الزجاج.
وقال ابن قتيبة في هذه الآية : المراد من الشجر : الكلأ.
٢١
فإن قيل : قال المفسرون في قوله تعالى :﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرحمن : ٦] : إن المراد بالنجم : ما ينجم من الأرض ممَّا ليس له ساق، ومن الشجر ما له ساق، وأيضاً : عطف الشجر على النَّجم ؛ فيوجب مغايرة الشجر للنجم.
فالجواب : أنَّ عطف الجنس على النع وبالضدِّ مشهور وأيضاً : فلفظ الشجرِ يشعر بالاختلاط، يقال : تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم ببعض، وتشاجرتِ الرِّماح إذا اختلطت، وقال تعالى :﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء : ٦٥]، ومعنى الاختلاط حاصل في العشب، والكلأ ؛ فوجب إطلاق لفظ الشجر عليه.
وقيل المراد بالشجر ما له ساقٌ ؛ لأنَّ الإبل تقدر على رعي ورق الأشجار الكبار وإطلاق الشجر على الكلأ مجازٌ.
قوله :﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ هذه صفة أخرى لـ " مَاءً "، والعامة على " تُسِيمُونَ " بضم التاء من أسام، أي :[أرسلها] لترعى.
وقرأ زيد بن علي بفتحها، فيحتمل أن يكون متعدياً، ويكون فعل وأفْعَل بمعنى، ويحتمل أن يكون لازماً على حذف مضافٍ، أي : تُسِيمُ مَواشِيكُمْ.
يقال : أسمت الماشية إذا خلَّيتها ترعى، وسامت هي تسُومُ سَوْماً، إذا رعتْ حيثُ شاءتَ فهي سَوام وسَائِمَة.
قال الزجاج - رحمه الله - :" أخذ ذلك من السومةِ وهي العلامة ؛ لأنَّها تؤثر في الأرض برعيها علاماتٍ ".
وقال غيره : لأنها تعلَّم الإرسال والمرعى، وتقدم الكلام في هذه المادة في آل عمران عند قوله تعالى :﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ [الآية : ١٤].
قوله تعالى :﴿يُنْبِتُ لَكُمْ﴾ تحتمل هذه الجملة الاستئناف والتبعيَّة، كما في نظيرتها، ويقال : أنْبتَ الله الزَّرْعَ فهو منبُوت، وقياسه : مُنْبَت.
وقيل : أنْبتَ قد يجيء لازماً، كـ " نَبَتَ " ؛ وأنشد الفراء :[الطويل] ٣٣٠٥ - رَأيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ حولَ بُيوتِهِمْ
قَطِيناً لهُمْ حتَّى إذَا أنْبتَ البَقْلُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٠
وأباه الأصمعيُّ ؛ والبيت حجة عليه، وتأويله : بـ " أنبت " البقل نفسه على المجاز بعيد جدًّا.
٢٢