قوله تعالى :" أيَّانَ " منصوب بما بعده لا بما قبله ؛ لأنَّه استفهام، وهو معلق لـ " مَا يَشْعرُونَ " فجملته في محل نصب على إسقاطِ الخافض، هذا هو الظاهر.
وقيل : إن " أيَّانَ " ظرف لقوله ﴿إِلاهُكُمْ إِلاهٌ وَاحِدٌ﴾ [النحل : ٢٢] يعني : أنَّ الإله واحدٌ يوم القيامة، ولم يدَّع أحد [تعدُّد] الآلهةِ في ذلك اليوم، بخلاف أيَّام الدنيا، فإنه قد وجد فيها من ادَّعى ذلك، وعلى هذا فقد تم الكلام على قوله " يَشْعُرونَ " إلاَّ أنَّ هذا القول مخرجٌ لـ " أيَّانَ " عن [موضوعها]، وهو إمَّا الشرط، وإمَّا الاستفهام إلى محضِ الظرفية، بمعنى وقت مضاف للجملة بعده ؛ كقولك " وقْتَ يَذهَبُ عَمرٌو مُنْطلِقٌ " فـ " وَقْتَ " : منصوبٌ بـ " مُنْطَلِقٌ " مضاف لـ " يَذْهَبُ ".
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧
قوله تعالى :﴿إِلاهُكُمْ إِلاهٌ وَاحِدٌ﴾ لما زيف طريقة عبدة الأصنام وفساد مذاهبهم، قال ﴿إِلاهُكُمْ إِلاهٌ وَاحِدٌ﴾ ثمَّ ذكر ما لأجله أصرَّ الكفار على الشركِ ؛ فقال :﴿فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ جاحدة ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ مستعظمون أي : إنَّ المؤمنين في الآخرة يرغبون بالفوز في الثواب الدائم، ويخافون العقاب الدائم، فإذا سمعوا الدلائل خافوا، وتأملوا، وتفكروا فيما يسمعون، فلا جرم ينتفعون بسماع الدلائل، ويرجعون إلى الحقِّ.
وأمَّا الذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها، فإنهم لا يرغبون في الثواب ولا يرهبون عن الوقوع في العقاب، فيبقون منكرين لكلِّ كلامٍ يخالف قولهم، ويستكبرون عن الرجوع إلى قول غيرهم، فيبقون مصرِّين على الجهل والضلال.
قوله تعالى :﴿لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾.
قد تقدم الكلام على لفظة " لا جَرمَ " في سورة هودٍ - عليه السلام - والعامة على فتح الهمزة من " أن اللهَ "، وكسرها عيسى الثقفي رحمه الله، وفيها وجهان : أظهرهما : الاستئناف.
والثاني : جريان " لا جرمَ " مجرى القسم فيتلقى بما يتلقى به.
وقال بعض العرب :" لا جَرمَ واللهِ لا [فَارَقْتَُ] " وهذا يضعف كونها للقسم ؛ لتصريحه بالقسم بعدها، وإن كان أبُو حيَّان أتى بذلك مقوِّياً لجريانها مجرى القسم.
قوله :﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾، أي : أنَّ إصرارهم على الكفر ليس لأجل شبهة تصوروها، بل لأجل التقليد لأسلافهم، والتَّكبُّر ؛ قال عليه الصلاة والسلام :" لا يَدْخُل
٤٠
الجَنَّة مَنْ كَانَ في قَلْبهِ مِثْقَالُ ذرَّةٍ مِنْ كِبْر، ولا يدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ في قَلْبِه مِثقَالُ ذرَّةٍ من إيمانٍ، فقال رجُلٌ : يا رسُولَ الله - صلّى الله عَليْكَ - إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يكُونَ ثَوْبهُ حَسناً، قال ﷺ : إنَّ الله - تعَالَى - جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ : بَطرُ الحقِّ، وغَمْطُ البَاطلِ ".
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٠
قوله تعالى :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ الآيات.
لمَّا قرر دلائل التوحيد، وأبطل مذاهب عبدة الأصنام، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها.
فالشبهة الأولى : أنَّ رسول الله ﷺ لما احتجَّ على صحة بعثته بكون القرآن معجزة ؛ طعنوا فيه، وقالوا : إنه أساطير الأولين، واختلفوا في هذا القول.
فقيل : هو كلام بعضهم لبعض.
وقيل : قول المسلمين لهم.
وقيل : قول المقتسمين الذين اقتسموا [مكَّة] ومداخل مكة ؛ ينفِّرون عن رسول الله ﷺ إذا سألهم وفود الحاجِّ عمَّا أنزل الله على رسوله.
قوله :" مَاذَا " تقدم الكلام عليها أول البقرة.
وقال الزمخشريُّ :" أو مرفوعٌ بالابتداءِ، بمعنى أي شيء أنزله ربُّكم ".
٤١


الصفحة التالية
Icon