الله :" تَوفَّاهمُ " بتاء واحدة، وهي محتملة للقراءةِ بالتشديد على الإدغام، وبالتخفيف على حذف إحدى التَّاءين.
و ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ حالٌ من مفعولٍ " تَتوفَّاهُمُ "، و " تَتوفَّاهُمُ " يجوز أن يكون مستقبلاً على بابه ؛ إن كان القول واقعاً في الدنيا، وإن كان ماضياً على حكاية الحال إن كان واقعاً يوم القيامةِ.
قوله " فألْقوا " يجوز فيه أوجهٌ : أحدها : أنه خبر الموصول، وقد تقدم فساده.
الثاني : أن يكون عطفاً على " قَالَ الَّذِينَ ".
الثالث : أن يكون مستأنفاً، والكلام قد تمَّ عند قوله :" أنْفُسهمْ " ثمَّ عاد بقوله :" فألْقَوا " إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة ؛ فعلى هذا يكون قوله :﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ إلى قوله " أنْفُسهِمْ " جملة اعتراضٍ.
الرابع : أن يكون معطوفاً على " تَتوفَّاهُم " قاله أبو البقاءِ.
وهذا إنَّما يتمشى على أنَّ " تَتوفَّاهُم " بمعنى المضيِّ ؛ ولذلك لم يذكر أبو البقاء في " تَتوفَّاهُم " سواه.
قوله ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءٍ﴾ فيه أوجهٌ : أحدها : أن يكون تفسيراً للسلم الذي ألقوه ؛ لأنَّه بمعنى القول ؛ بدليل الآية الأخرى :﴿فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ﴾ [النحل : ٨٦] قاله أبو البقاء، ولو قال : يُحْكى بما هو بمعنى القول ؛ لكان أوفق لمذهبِ الكوفيِّين.
الثاني : أن يكون منصوباً بقولٍ مضمرٍ، ذلك القول منصوبٌ على الحالِ، أي : فألقوا السَّلم قائلين ذلك.
و " مِنْ سُوءٍ " مفعول " نَعْملُ " زيدت فيه " مِنْ "، و " بَلَى " جوابٌ لـ " مَا كُنَّا نعمل " فهو إيجابٌ له.
فصل قال ابن عباس رضي الله عنه : استسلموا، وأقرُّوا لله بالعبودية عند الموت، وقالوا ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءٍ﴾، والمراد من هذا السوء الشِّرك، فقالت الملائكة تكذيباً لهم ﴿بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من التكذيب، والشرك، وقيل : تمَّ الكلام عند قوله :﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ثم عاد إلى حكايةِ كلام المشركين إلى يوم القيامة، والمعنى : أنَّهم يوم القيامة ألقوا السَّلم ؛ وقالوا :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءٍ﴾ على سبيل الكذب، ثمَّ ههنا
٤٨
اختلفوا : فالذين جوَّزوا الكذب على أهلِ القيامة قالوا : إنَّ قولهم :﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُواءٍ﴾ لغاية الخوف، والَّذينَ لم يجوِّزوا الكذب عليهم قالوا : المعنى : ما كنَّا نعمل مِنْ سُوءٍ عند أنفسنا وفي اعتقادنا، وقد تقدَّم الكلام في قوله الأنعام :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام : ٢٣] هل يجوز الكذب على أهل القيامة، أم لا ؟.
وقوله :﴿بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يحتمل أن يكون من كلام الله أو بعض الملائكة.
ثم يقال لهم :﴿فَادْخُلُوا ااْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ وهذا يدلُّ على تفاوت منازلهم في العقاب، وصرَّح بذكر الخلود ؛ ليكون الغمُّ [والحزن] أعظم.
قوله :" فَلَبِئْسَ " هذه لام التأكيد ؛ وإنما دخلت على الماضي لجموده وقربه من الأسماء، والمخصوص بالذم محذوفٌ، أي : جهنَّم.
قوله تعالى :﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً﴾ الآية.
لما بين أحوال الكافرين، أتبعه ببيان أحوال المؤمنين.
قال القاضي [المتقي هو :] تارك جميع المحرَّمات وفاعل جميع الواجبات.
وقال غيره : المتَّقي : هو الذي يتَّقي الشرك.
قوله :" خَيْراً " العامة على نصبه، أي : أنزل خيراً.
قال الزمخشريُّ :" فإن قلت : لِمَ رفع " أسَاطِيرُ الأولين " ونصب هذا ؟.
قلت : فصلاً بين جواب المقر، وجواب الجاحد، يعني : أنَّ هؤلاء لما سئلوا لم يَتَلعْثَمُوا، وأطبقوا الجواب على السؤال بيِّناً مكشوفاً مفعولاً للإنزال فـ " قَالُوا خَيْراً " أي : أنزل خيراً وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال، فقالوا : هو أساطير الأوَّلين، وليس هو من الإنزال في شيءٍ ".
وقرأ زيد بن عليٍّ :" خَيْرٌ " بالرفع، أي : المُنزَّلُ خيرٌ، وهي مُؤيِّدة لجعل " مَاذَا " موصولة، وهو الأحسن ؛ لمطابقة الجواب لسؤاله، وإن كان العكس جائزاً، وقد تقدم تحقيقه في البقرة.
قوله :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ هذه الجملة يجوز فيها أوجه : أحدها : أن تكون منقطعة عما قبلها استئناف إخبار بذلك.
الثاني : أنَّها بدلٌ من " خَيْراً ".
قال الزمخشري :" هو بدلٌ من " خَيْراً " ؛ حكاية لقول " الَّذينَ اتَّقوا "، أي : قالوا هذا القول فقدَّم تسميته خبراً ثمَّ حكاه ".
٤٩