وقيل : الجُؤارُ : كالخُوارِ، جَأرَ الثَّوْرُ، وخَارَ : واحِدٌ، إلاَّ أنَّ هذا مهموز العين، وذلك مُعتلها.
وقا لالراغب :" جَأرَ إذا أفْرطَ في الدُّعاءِ، والتَّضرُّعِ تَشْبِيهاً بجُؤارِ الوحشيات " وقرأ الزهري :" تَجَرُونَ " محذوف الهمزة، وإلقاء حركتها على الساكن قبلها، كما قرأ نافع :" رِداً " في ﴿رِدْءاً﴾ [القصص : ٣٤].
ومعنى الآية : أنَّه - تعالى - بيَّن أن جميع النِّعم من الله، ثم إذا اتفق لأحدٍ مضرةٌ تزيل تلك النعم ؛ فإلى الله يستغيث ؛ لعلمه بأنَّه لا مفزع للخلق إلا الله، فكأنه - تعالى - قال لهم : فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاءِ، والسلامة.
قوله :﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ﴾ " إذَا " الأولى شرطية، والثانية : فجائية جوابها، وفي الآية دليل على أنَّ " إذَا " الشرطية لا تكون معمولة لجوابها ؛ لأنَّ ما بعد " إذَا " الفجائية لا يعمل فيما قبلها.
[وقرأ قتادة] :" كَاشِفٌ " على فاعل.
قال الزمخشريُّ :" بمعنى " فعل " وهو أقوى من " كَشَف " لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة ".
قوله :" مِنْكُمْ " يجوز أن يكن صفة لـ " فَرِيقٌ "، و " مِنْ " للتبعيض، ويجوز أن يكون للبيان، قال الزمخشريُّ :" كأنه قال : إذا فريقٌ كافرٌ، وهم أنتم ".

فصل بين - تعالى - أنَّ عند كشف الضرِّ، وسلامة الأحوال، يفترقون : فريق منهم يبقى على


٨٣
ما كان عليه عند الضَّراء، أي : لا يفزع إلاَّ إلى الله، وفريق منهم يتغيَّرون فيشركون بالله - تعالى - غيره ؛ وهذا جهلٌ وضلالٌ ؛ لأنَّه لما شهدت فطرته الأصليَّة عند نزول البلاءِ، والضرِّ في ألاَّ يفزع إلا إلى الله، ولا يستغاث إلا بالله - فعند زوال البلاءِ يجب ألاَّ يزول عن ذلك الاعتقاد ؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ [لقمان : ١٣].
قوله :﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ﴾ في هذه اللام ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن تكون لام كي، وهي متعلقة بـ " يُشْرِكُونَ "، أي : أن إشراكهم سببه كفرهم به.
الثاني : أنَّها لام الصَّيرورةِ، أي : صار أمرهم إلى ذلك.
الثالث : أنَّها لام الأمر، وإليه نحا الزمخشريُّ.
وقرأ ابو العالية، ورواها مكحول عن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ " فيُمْتَعُوا " بضمِّ الياءِ من تحت، ساكن الميم، مفتوح الياء مضارع " مُتِعَ " مبنيًّا للمفعول، " فسَوْفَ يَعْلمُونَ " بالياء من تحت أيضاً، وهذا المضارع في هذه القراءة، يجوز أن يكون حذف منه النون فيه ؛ إما للنصب، عطفاً على " لِيَكْفُروا " وإن كانت لام " كي "، أو للصيرورة، وإما لنصب أيضاً، ولكن على جواب الأمر إن كانت اللام للأمر، ويجوز أن يكون حذفها للجزم ؛ عطفاً على " لِيَكْفرُوا " وإن كانت للأمر أيضاً.
فصل قال بعض المفسرين : هذه لام العاقبة ؛ كقوله تعالى :﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [القصص : ٨] يعني : أنَّ عاقبته تلك التضرعات، ما كانت إلا هذا الكفر.
والمراد بقوله :" بِمَا ءَاتَيْناهُمْ " كشف الضرِّ، وإزالة المكروه، وقيل : لمراد به القرآن وما جاء به محمدٌ ﷺ من النبوة والشرائع.
ثمَّ توعَّدهم فقال :" فتَمتَّعُوا "، [والمراد منه التهديد] ؛ كقوله ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف : ٢٩] وقوله :﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أمركم، وما ينزل بكم من العذاب.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٦٦


الصفحة التالية
Icon