فجعل " فَرَطَ " قاصراً، و " أفْرَطَ " منقولاً.
وقال الزمخشريُّ :" بمعنى مقدَّمُون إلى النَّار معجَّلون إليها، من أفرطت فُلاناً وفرَّطتهُ، إذا قدَّمتهُ إلى المَاءِ ".
فجعل " فَعَلَ "، و " أفْعَل " بمعنى ؛ لأنَّ " أفْعَلَ " منقولٌ من " فَعَل " والقولان محتملان، ومنه الفرطُ، أي : المتقدم، قال ﷺ :" أنَا فَرطُكمْ على الحَوْضِ "، أي : سابقكم، ومنه " جَعَلهُ فَرطاً لأبويه وذُخْراً "، أي : متقدماً بالشَّفاعة، وبتثقيل الموازين، والمعنى على هذا : أنهم قدموا إلى النَّار، وأنهم فرط الذين يدخلون بعدهم.
٩٥
وقرأ أبو جعفر في رواية " مُفرِّطُونَ " بتشديد الرَّاءِ مكسورة من فرَّط في كذا، أي : قصَّر، وفي رواية مفتوحة من فرَّطتهُ معدى بالتَّضعيف ؛ أي من " فرط " بالتخفيف أي : تقدَّم، وسبق.
وقرأ عيسى بن عمر والحسن - رضي الله عنهما - " لا جَرمَ إنَّ لهم النار وإنهم " بكسر " إن " فيهما على أنهما جواب قسم، أغنت عنه :" لا جرم ".
ثم بين - تعالى - أن هذا الصُّنع الذي صدر من مشركي قريش، قد صدر عن سائر الأمم السَّابقة في حق أنبيائهم - صلوات الله وسلامه عليهم -.
فقال :﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي : كما أرسلنا إلى هذه الأمَّة، وهذا تسليةٌ للرسول ﷺ فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة من وجوهٍ : أحدها : أنَّه إذا كان خالقُ أعمالهم هو الله - تعالى -، فلا فائدة في التَّزيينِ.
والثاني : أنَّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله - تعالى - لم يجز ذمُّ الشيطان بسببه.
والثالث : أنَّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله - تعالى - كان ضرورياً، فلم يكن التَّزيينُ داعياً.
والرابع : أنَّ على قولهم : الخالق لذلك العمل، أجدر بأن يكون ولياً لهم من الدَّاعي إليه.
الخامس : أنه - تعالى - أضاف التزيين إلى الشَّيطان، ولو كان ذلك المزيِّن هو الله - تعالى - لكانت إضافته إلى الشَّيطان كذباً.
والجواب : إنْ كان مزين القبائح في أعين الكفَّار هو الشيطان، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطاناً آخر ؛ لزم التَّسلسل، وإن كان هو الله - تعالى - فهو المطلوبُ.
قوله :﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية، أي : فهو ناصرهم، أو آتية.
ويرادُ باليوم يوم القيامةِ، والمعنى : فهو وليّ أولئك الذين زيِّن لهم أعمالهم يوم القيامةِ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامةِ لشهرته، والمقصود أنَّهُ لا وليَّ لهم، ولا ناصر لهم ؛ لأنهم إذا عاينوا العذاب، وقد نزل بالشَّيطان كنزوله بهم، رَأوْا أنه لا مخلِّص له منه كما لا مخلص لهم منه ؛ جاز أن يوبَّخوا بأن يقال لهم :" هذا وليُّكم اليوم " على وجْه السُّخريةِ.
٩٦