ولذلك قال سيبويه : طوأمَّا أفعال فقد يقع للواحد " فقوله :" قد يقع للواحد " دليلٌ على أنه ليس ذلك بالوضع، فقول الزمخشريُّ :" إنَّه ذكره في الأسماءِ المفردةِ على أفعال " تحريف في اللفظ، وفهم عن سيبويه ما لم يرده، ويدلُّ على ما قلناه : أنَّ سيبويه حين ذكر أبنية الأسماء المفردة نص على أنَّ أفعالاً ليس من أبنيتها.
قال سيبويه في باب ما لحقته الزِّيادة من بنات الثلاثة :" وليس في الكلام أفعيل، ولا أفْعَول، ولا أُفْعَال، ولا أفْعِيل، ولا أفعالُ إلا أن تكسِّر عليه اسماً للجمع "، قال :" فهذا نصٌّ منه على أنَّ أفعالاً لا يكون في الأسماء المفردة ".
قال شهاب الدِّين : الَّذي ذكره الزمخشريَّ، وهو ظاهر عبارة سيبويه، وهو كافٍ في تسويغ عودِ الضمير مفرداً، وإن كان أفعالاً قد يقع موقع الواحد مجازاً، فإنَّ ذلك ليس بصائرٍ فيما نحن بصدده، ولم يحرِّف لفظه، ولم يفهم عنه غير مراده لما ذكرناه من هذا المعنى الذي قصده.
وقيل : إنَّما ذكر الضمير ؛ لنه يعود على البعض، وهو الإناثُ ؛ لأنَّ الذُّكور لا ألبان لها، والعبرة إنَّما هي في بعض الانعام.
وقال الكسائي - رحمه الله - :" أي في بطون ما ذُكِر ".
قال المبرِّد : وهذا سائغ في القرآن، قال تعالى :﴿كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس : ١١، ١٢] اي : هذا الشيء الطَّالع، ولا يكون هذا إلاَّ في التَّأنيث المجازي.
١٠١
ولا يجوز : جاريتك ذهب، وغلامك ذهبت، وعلى هذا خرج قوله :[الرجز] ٣٣٣٦ - فِيهَا خَطوطٌ من سَوادٍ وبَلقْ
كأنَّهُ في الجِلْدِ تَوليعُ البَهَقْ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٩٨
أي : كأن المذكور.
وقيل : جمع التكسير فيما لا يعقل يعامل معاملة الجماعة، ومعاملة الجمع.
ففي هذه السورة اعتبر معنى الجمع، وفي سورة المؤمنين، اعتبر معنى الجماعة، ومن الأوَّل قول الشَّاعر :[الرجز]
٣٣٣٧ - مِثْلُ الفِراخِ نُتفَتْ حَواصِلُه
وقيل : لأنه يسدُّ مسدَّ الواحد يُفهم الجمع فإنه يسد مسده نعم، ونعم يفهم الجمع ؛ ومثله قول الشاعر :[الرجز]
٣٣٣٨ - وطَابَ ألبَانُ اللِّقاحِ وبَرَد
لأنه يسد مسدَّها " لبن ".
ومثله قولهم هو أحسن الفتيان، وأجمله أي : أحسن فتى إلاَّ أنَّ هذا لا ينقاس عند سيبويه وأتباعه.
وذكر أبو البقاء ستَّة أوجهٍ تقدم منها في غضون ما ذكر خمسة، والسادس : أنه يعود على الفحل ؛ لأنَّ اللبن يكون من طرق الفحلِ الناقة، فأصل اللَّبن من الفحل.
قال :" وهذا ضعيف ؛ لأنَّ اللبن، وإن نسب إلى الفحل، فقد جمع البطون وليس في فحل الأنعام إلاَّ واحداً، ولا للواحد بطون، فإن قيل : أراد الجنس، فقد ذكر ".
يعني أنه قد تقدَّم أنَّ التَّذكير باعتبار جنس الأنعام، فلا حاجة إلى تقدير عوده على فحلٍ المراد به الجنس، وهذا القول نقله مكي عن إسماعيل القاضي - رحمه الله - ولم يعقبه بنكير.
قال القرطبي : واستنبط القاضي إسماعيل من عود هذا الضمير أن لبن الفحل يقبل التَّحريم.
وقال : إنَّما جيءَ به مذكَّراً ؛ لأنَّه راجع إلى ذكر النِّعم ؛ لأنَّ اللَّبن للذَّكرِ محسوب
١٠٢