الثاني : أنه من عطف الصفات لشيء واحد، أي : جعل لكم بنين خدماً، والحفدة : الخدم.
الثالث : أنه منصوب بـ " جَعَلَ " مقدَّرة، وهذا عند من يفسِّر الحفدة بالأعوان والأصهار، وإنما احتيج إلى تقدير " جَعَلَ " ؛ لأن " جَعَلَ " الأولى مقيَّدة بالأزوا، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج، والحفدة : جمع حافدٍ ؛ كخادمٍ وخَدم.
قال الواحدي - رحمه الله - :" ويقال في جمعه : الحفد بغير هاءٍ ؛ كما يقال : الرَّصد، ومعنى الحفدة في اللغة : الأعوان والخدم ".
وفيهم للمفسِّرين أقوال كثيرة، واشتقاقهم من قولهم : حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْداً وحُفُوداً وحَفَداناً، أي : أسرع في الطَّاعة، وفي الحديث :" وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ "، أي : نُسرع في طَاعتِكَ ؛ وقال الآخر :[الكامل] ٣٣٤٤ - حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلهُنَّ وأسْلِمَتْ
بأكُفِّهِنَّ أزِمَّةُ الأجْمالِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٠٩
ويستعمل " حَفَدَ " أيضاً متعدياً ؛ يقال : حَفدنِي فهو حافدٌ ؛ وأنشد أيضاً :[الرمل] ٣٣٤٥ - يَحْفدُونَ الضَّيْفَ في أبْيَاتِهِمْ
كَرماً ذلِكَ مِنهُمْ غَيْرَ ذُلْ
وحكى أبو عبيدة أنه يقال : أحفد رباعيًّا، وقال بعضهم : الحَفدةُ الأصهارُ ؛ وأنشد :[الطويل] ٣٣٤٦ - فَلوْ أنَّ نَفْسِي طَاوعَتْنِي لأصْبحَتْ
لهَا حَفدٌ ممَّا يُعَدُّ كَثِيرُ
ولَكنَّهَا نَفْسٌ عليَّ أبيَّةٌ
عَيُوفٌ لإصْهَارِ اللِّئامِ قَذُورُ
ويقال : سَيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي : سريعُ القطع ؛ وقال الأصمعي : أصل الحفد مقاربة الخُطَى.
قوله :﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ ولمَّا ذكر إنعامه على عبيده بالمنكوح وما فيه من المنافع والمصالح، ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطبية، و " مِنْ " في " مِنَ الطَّيباتِ " للتبعيض.
ثم قال ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - يعني : بالأصنام وقال
١١٩
مقاتل : يعني : بالشيطان، وقال عطاء : يصدِّقون أن لي شريكاً وصاحبة وولداً.
﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ أي : بأن يضيفوها إلى غير الله ولا يضيفونها إلى الله، وقيل : يكفرون بالتَّوحيد والإسلام.
وقيل : يحرِّمون على أنفسهم طيِّباتٍ أحلَّها الله لهم ؛ مثل : البَحيرَة والسَّائبةِ والوَصِيلَة والحَامِ، ويبيحون لأنفسهم محرَّمات حرمها الله عليهم، وهي الميتة ولحم الخنزير ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة : ٣]، أي : يجحدون ويكفرون إنعام الله في تحليل الطيِّبات وتحريم الخبائث، ويحكمون بتلك الأحكام الباطلة.
قوله - تعالى - :﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً﴾ الآية لمَّا شرح الدَّلائل الدالة على صحَّة التَّوحيد، وأتبعها بذكر أقسام النِّعم العظيمة، أتبعها بالردِّ على عبدة الأصنام ؛ قال ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ﴾ يعني : المطر والأرض، ويعني النَّبات والثِّمار.
قوله تعالى :﴿مِّنَ السَّمَاوَاتِ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه متعلق بـ " يَمْلِكُ "، وذلك على الإعرابين الأولين في نصب " شَيْئاً ".
الثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " رِزْقاً ".
الثالث : أن يتعلق بنفس " رِزْقاً " إن جعلناه مصدراً.
وقال ابن عطية - بعد أن ذكر إعمال المصدر منوناً - : والمصدر يعمل مضافاً باتِّفاق ؛ لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف واللاَّم ؛ لأنه قد توغَّل في حال الأسماء وبعد عن الفعليَّة، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله ؛ وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر :[المتقارب] ٣٣٤٧ - ضَعِيفُ النِّكايَةِ أعْدَاءَهُ
...................
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٠٩
وقوله :[الطويل] ٣٣٤٨ -...................
..........
فَلمْ أنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا
١٢٠


الصفحة التالية
Icon