المقالة ؛ كقولك : تَشْتمُ فلاناً وهُو قَدْ أحْسنَ إليْكَ، أي : وعلمك بإحسانه إليك كان يمنعك من شتمه، قاله أبو حيان رحمه الله.
ثم قال :" وإنَّما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لا إلى الحال ؛ لأن من مذهبه أنَّ مجيء الحال جملة اسميَّة من غير واو شاذٌّ، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء ".
و " أعجَميٌّ خبر على كلتا القراءتين، والإلحاد في اللغة : الميل، يقال : لَحَدَ وألْحَدَ ؛ إذا مال عن القصد، ومنه يقال للعادل عن الحقِّ : مُلِْد.
وقرأ حمزة والكسائي :" يَلْحَدُونَ " بفتح الايء والحاء، والباقون بضم الياء وكسر الحاء.
قال الواحدي - رحمه الله - : والألى ضم الياء ؛ لأنه لغة القرآن، ويدلُّ عليه قوله - تعالى - :﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ [الحج : ٢٥] وتقدَّم خلاف القراء في المفتوح في الأعراف.
والإلحاد قد يكون بمعنى الإمالة ؛ ومنه يقال : الْحَدت له لَحْداً ؛ إذا حفرت له في جانب القبر مائلاً عن الاستواء، وقبر مُلْحَد ومَلْحُود، ومنه المُلْحِد ؛ لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلِّها، لم يمله عن دينٍ إلى دينٍ، وفسِّر الإلحاد في هذه الآية بالقولين.
قال الفراء : يَمِيلُون من المَيْلِ.
وقا لالزجاج : يَمِيلُونَ من الإمالةِ، أي : لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
والأعجمي : قال أبو الفتح الموصلي :" تركيب " " ع ج م " وضع في كلام العرب للإبهام والإخفاء، وضدُّه البيان والإيضاح ؛ ومنه قولهم : رَجُلٌ أعجم وامْرأةٌ عَجماء ؛ إذا كانا لا يفصحان، والأعجمي : من لم يتكلم بالعربية.
وقال الراغب : العجم خلاف العرب، والعجم منسوب إليهم، والأعجم : من في لسانه عجمه عربيًّا كان أو غير عربي ؛ اعتباراً بقلَّة فهمه من العجمة.
والأعجمي منسوب إليه، ومنه قيل للبهيمة : عجماء ؛ لأنها لا تفصح عما في نفسها، وصلوات النَّهار عجماء، أي : لا يجهر فيها، والعجَمُ : النَّوى لاختفائه.
قال بعضهم : معناه أن الحروف المجرَّدة لا تدلُّ على م اتدلُّ عليه الموصولة وأعْجَمتُ الكتابَ ضد أعربتهُ، وأعجمتهُ : أزلت عمتهُ ؛ كأشْكَيتهُ : أزلتُ شِكايَتهُ.
قال الفراء وأحمد بن يحيى : الأعجم : هو الذي في لسانه عجمة، وإن كان من العرب، والأعجمي والعجمي : الذي أصله من العجم قال أبو علي الفارسي : الذي لا
١٥٩
يفصح سواءٌ كان من العرب أو من العجم ؛ ألا ترى أنهم قالوا : زياد الأعجم ؛ لأنه كانت في لسانه عجمة مع أنَّه كان عربيًّا ؟ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في " الشعراء "، و " حم السجدة ".
وقا لبعضهم : العجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحاً.
فصل المعنى : إنَّ لسان الذي ينسبون التعلّم منه أعجمي، وهذا القرآن عربي فصيح، فتقرير هذا الجواب كأنه قال : هب أنه يتعلَّم المعاني من ذلك الأعجمي، إلا أنَّ القرآن إنَّما كان معجزاً لما في ألفاظه من الفصاحة، فبتقدير أن تكونوا صادقين في أن محمَّداً - عليه الصلاة والسلام - يتعلم تلك المعاني من ذلك الرجل، إلا أن ذلك لا يقدح في المقصود ؛ لأن القرآن إنما كان معجزاً لفصاحته اللفظيَّة.
ولما ذكر - تعالى - هذا الجواب، أردفه بالتهديد ؛ فقال - عز وجل - :﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ﴾ قال القاضي : لا يهديهم إلى طريق الجنَّة لقوله بعده :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي : أنهم لما تركوا الإيمان بالله، لا يهديهم الله إلى الجنَّة، بل يسوقهم إلى النَّار، ثم إنه - تعالى - بين كونهم كاذبين في ذلك القول، فقال - تعالى - :﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلـائِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ والمقصود منه أنه - تعالى - بيَّن في الآية السابقة أن الذي قالوه بتقدير أن يصح لم يقدح في المقصود، ثم بين في هذه الآية أن الذي قالوه لم يصحَّ، وهم كذبوا فيه، والدليل على كذبهم وجوه : أحدها : أنهم لا يؤمنون بآيات الله تعالى وهم كافرون، وإذا كان الأمر كذلك، كانوا أعداء للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - وكلام العدو ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتَّهم.
وثانيها : أن التعلُّم لا يتأتَّى في جلسه واحدة ولا يتم بالخفية، بل التعلُّم إنما يتمُّ إذا اختلف المتعلِّم إلى المعلِّم أزمنة متطاولة، وإذا كان كذلك، اشتهر فيما بين [الخلق] أن محمداً - صلوات الله وسلامه عليه - يتعلم العلوم من فلان ومن فلان.
وثالثها : أن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة، وتعلُّمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم في غاية الفضل والتحقيق، فلو حصل فيهم إنسان بلغ في العلم والتحقيق إلى هذا الحد، لكان مشاراً إليه بالأصابع في التحقيق والتدقيق في الدنيا، فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية الشريفة والمباحث النفيسة من عند فلان وفلان ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فالطَّعن في نبوة محمد ﷺ بأمثال هذه الكلمات الرَّكيكة يدلُّ
١٦٠