يلزمه أداء الحقِّ من غير المبيع، وأما بيع المكره ظلماً أو قهراً، فذلك لا يجوز عليه، وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن، ويتبع المشتري بالثَّمن ذلك الظالم فإنْ فات المتاع، رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم لظلمه، وأما يمين المكره فغير لازمةٍ عند مالك والشافعي - رضي الله عنهما - وأكثر العلماء، قال ابن العربي :" واختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع أم لا ؟ ".
قال ابن العربي رحمه الله :" وأي فرقٍ بين الإكراه على اليمين في أنَّها لا تلزم، وبين الحنث في أنه لا يقع ".
فصل إذا أكره الرَّجل على أن يحلف وإلاَّ أخذ ماله، فقال مالك : لا تقيَّة في المال، فإنَّما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه.
وقال ابن الماجشون :" لا يحنث وإن درأ عن ماله أيضاً ".
قال القرطبي : وأجمع العلماء على أنَّ من أكره على الكفر فاختار القتل، أنَّه يكون أعظم أجراً عند الله ممَّن اختار الرخصة ".
فصل قال الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما - : لا يقع طلاق المكره، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يقع.
واستدلَّ الشافعي - رضي الله عنه - بقوله - تعالى - :﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة : ٢٥٦]، ولا يمكن أن يكون المراد نفي ذاته ؛ لأن ذاته موجودة ؛ فوجب حمله على نفي آثاره، أي : لا أثر له ولا عبرة به، وقال - صلوات الله وسلامه عليه - :" رُفِعَ عن أمَّتي الخَطأ والنِّسيَانُ وما اسْتكْرِهُوا عليْهِ ".
وقال - عليه الصلاة والسلام - :" لا طَلاقَ في إغلاقٍ "، أي : إكراه.
فإن قالوا طلقها، فيدخل تحت قوله - تعالى - :﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ﴾ [البقرة : ٢٣٠].
فالجواب : لمَّا تعارضت الدلائل، وجب أن يبقى ما كان على ما كان هو لنا.
فصل قال القرطبي - رحمه الله - :" وأما نكاح المكره : فقال سحنون : أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة وقالوا : لا يجوز المقام عليه ؛ لأنَّه لم ينعقد، فإن وطئها المكره على النِّكاح، لزمه المسمَّى من الصَّداق ولا حد عليه ".
١٦٧
قوله :﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي : إنه - تعالى - حكم عليهم بالعذاب، ثم وصف ذلك العذاب فقال - تعالى - :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
قوله :﴿ذالِكَ بِأَنَّهُمُ﴾ مبتدأ وخبره ؛ كما تقدم، والإشارة بـ " ذلك " إلى ما ذكر من الغضب والعذاب ؛ ولذلك وحَّد، كقوله :" بين ذلك " و :[الرجز] ٣٣٦٢ - كَأنَّهُ في الجِلْدِ
..............
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٥٥
قوله :﴿اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾ أي : ذلك الارتداد وذلك الإقدام على الكفر ؛ لأجل أنَّهم رجَّحوا الدنيا على الآخرة، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ أي : ذلك الارتداد إنما حصل لأجل أنه - تعالى - ما هداهم إلى الإيمان، وما عصمهم عن الكفر.
قال القاضي : المراد أن الله تعالى لا يهديهم إلى الجنَّة، وهذا ضعيف ؛ لأن قوله - تعالى - :﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ معطوف على قوله :﴿ذالِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾ فوجب أن يكون قوله :﴿وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ علَّة وسبباً موجباً لإقدامهم على ذلك الارتداد، وعدم الهداية يوم القيامة إلى الجنة ليس سبباً لذلك الارتداد ولا علَّة، بل كسباً عنه ولا معلولاً له، فبطل هذا التَّأويل.
ثم أكد أنه - تعالى - صرفهم عن الإيمان ؛ فقال - عز وجل - :﴿أُولَـائِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ قال القاضي : الطبع ليس يمنع من الإيمان لوجوه : الأول : أنه - تعالى - أشرك ذكر ذلك في معرض الذَّم، ولو كانوا عاجزين عن الإيمان به لما استحقوا الذَّم بتركه.
الثاني : أنه - تعالى - أشرك بين السَّمع، والبصر، والقلب في هذا الطبع، ومعلوم أن مع فقد السمع والبصر قد يصحُّ أن يكون مؤمناً، فضلاً عن طبع يلحقهما في القلب.
الثالث : وصفهم بالغفلة، ومن منع من الشيء لا يوصف بأنه غافل عنه، فثبت أن المراد بهذا الطَّبع السِّمة والعلامة التي يخلقها في القلب، وتقدَّم الجواب في أول سورة البقرة.
ثم قال - تعالى - :﴿وَأُولَـائِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أي : عما يراد بهم في الآخرة.
ثم قال :﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ﴾، أي : المغبونون، والموجب لهذا الخسران أنه - تعالى - وصفهم بصفاتٍ ستة :
١٦٨