المحضة، وبالإمالة بين بين، أفُّو أفِّ] : بالواو والباء، وإحدى عشرة مع كسرِ الهمزة : إفَّ، إفِّ : بالتشديد مع التنوين وعدمه، أَفَ، إفِ بالتخفيف مع التنوين وعدمه، إفًّا بالإمالة، وست مع فتح الهمزة : أفَّ أفِّ ؛ بالتشديد مع التنوين وعدمه، أفْ بالسكون، أفا بالألف، فهذه تسعٌ وثلاثون لغة، وتمام الأربعين " " أفاهُ " بهاء السكت، وفي استخراجها بغير هذا الضَّابط الذي ذكرته عسر ونصب، يحتاج في استخراجه من كتب اللغة، ومن كلام أهلها، إلى تتبُّعٍ كثيرٍ، وأبو حيان لم يزدْ على أن قال :" ونحنُ نسردها مضبوطة كما رأيناها "، فذكرها، والنُّسَّاخ خالفوه في ضبطه، فمن ثمَّ جاء فيه الخللُ، فعدلنا إلى هذا الضَّابط المذكور، ولله الحمد والمنة.
وقد قرئ من هذه اللغات بسبعٍ : ثلاثٍ في المتواتر، وأربعٍ في الشاذ، فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين، وابن كثيرٍ، وابن عامرٍ بالفتح دون تنوين، والباقون بالكسر دون تنوين، ولا خلاف بينهم في تشديد الفاء، وقرأ نافع في رواية : أفٌ بالرفع والتنوين، وأبو السًّمال بالضمِّ من غير تنوين، وزيد بن عليِّ بالنصب والتنوين، وابن عبَّاسٍ :" أفْ " بالسكون.
قال ابن الخطيب : والبحث المشكل ها هنا أنا لما نقلنا أنواعاً من اللغات في هذه اللفظة، فما السَّبب في أنَّهم تركوا أكثر تلك اللُّغاتِ في قراءةِ هذه اللفظة، واقتصروا على وجوه قليلة منها ؟.
فصل في تفسير هذه اللفظة وجوهٌ : أحدها : قال الفراء : تقول العرب :" لعلَّ فلاناً يَتأفَّفُ من ريحٍ وجدها " معناه : يقول : أفٍّ أفٍّ.
والثاني : قال الأصمعي : الأفُّ : وسخُ الآذانِ، والتُّفُّ : وسخُ الأظفار، يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثم كثر، حتَّى استعملوه عند محلِّ ما يتأذُّون.
الثالث : قال أبو عبيدة - رحمه الله - : أصل الأفِّ والتُّفِّ : الوسخُ على الأصابع إذا فَتلْتَها.
الرابع : الأفُّ : ما يكون في المغابن من الوسخِ، والتُّفُّ ما يكون في الأصابع من الوسخ.
الخامس : الأفُّ : وسخ الأظافرِ، والتُّفُّ ما رفعت بيدك من الأرْضِ من شيءٍْ حقيرٍ.
السادس : قيل : أفٍّ : معناه قلًّة، وهو مأخوذ من الأفيفِ، وهو الشيء القليل، وتُفّ : إتباعٌ له ؛ كقولهم شيطانٌ ليطانٌ، خبيثٌ نبيثٌ.
٢٥٦
السابع : روى يعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : الأفُّ : الضجر.
الثامن : قال القتبيُّ : أصل هذه الكلمة أنَّه إذا سقط عليك ترابٌ أو رمادٌ، نفخت فيه لتزيله ؛ والصَّوْت الحاصل عند تلك النفخةِ هو قولك : أفٍّ، ثم إنَّهم توسَّعوا، فذكروا هذه اللفظة عند كلِّ مكروه يصل إليهم.
قال مجاهدٌ : معنى قوله :﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ أي : لا تتقذَّرهما : كما أنَّهما لم يتقذَّراك حين كنت تخرى وتبول.
وروي عن مجاهد أيضاً : إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك، فلا تقل لهما : أفٍّ.
فصل في دلالة الأفّ قول القائل :" لا تقلْ لفلانٍ : أفٍّ " مثل يضرب للمنعِ من كل مكروهٍ وأذيَّةٍ، وإن خفَّ وقلَّ.
واختلف الأصوليُّون في أنَّ دلالة هذا اللفظ على المنع من سائر أنواع الإيذاء دلالةٌ لفظيةٌ، أو دلالة مفهومة بالقياس، فقيل : إنها دلالة لفظية، لأنَّ أهل العرف، إذا قالوا : لا تقل لفلانٍ أفٍّ، عنوا به أنَّه لا يتعرض له بنوعٍ من أنواع الأذى، فهو كقوله : فلانٌ لا يملكُ نقيراً ولا قطْمِيراً فهو بحسب العرف يدلُّ على أنه لا يملك شيئاً.
وقيل : إنَّ هذا اللفظ، إنَّما دلَّ على المنعِ من سائر أنواعِ الأذى بالقياس الجليِّ.
وتقريره : أنَّ الشَّرع، إذا نصَّ على حكمٍ في صورةٍ، وسكت عن حكم في صورةٍ أخرى، فإذا أردنا إلحاق الصُّورة المسكوت عن حكمها بالصورة المذكور حكمها، فهذا على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون ثبوت ذلك الحكم في محلِّ السكوت أولى من ثبوته في محلِّ الذِّكر كهذه الصورة ؛ فإنَّ اللفظ إنما دلَّ على المنع من التأفيف، والضَّرب أولى بالمنع.
وثانيها : أن يكون الحكم ف يمحلِّ السكوت مساوياً للحكم في محلِّ الذِّكر، وهذا يسمِّيه الأصوليُّون :" القياس في معنى الأصل " كقوله صلوات الله وسلامه عليه :" مَنْ أعْتقَ شِركاً لهُ في عَبْدٍ، قُوِّمَ عليه البَاقِي " فإنَّ الحكم في الأمَةِ وفي العبد سواء.
وثالثها : أن يكون الحكم في محلِّ السكوت أخفى من الحكم في محلِّ الذِّكرِ، وهو أكثر القياساتِ.
٢٥٧