وهذا عند غير ابن كيسان، وأمَّا ابن كيسان فيجيز في الكلام :" الشَّمسُ طَلع، وطَالعٌ ".
وقيل : إنما ذكَّر سيِّئةً وهي الذنب، وهو مذكر [لأن التقدير : كل ذلك كان مكروهاً وسيئة عند ربك] وقيل فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، أي كل ذلك كان مكروهاً سيئة.
فصل وأمَّا قراءة عبد الله فهي ممَّا أخبر فيها عن الجمع إخبار الواحد ؛ لسدِّ الواحد مسدَّه ؛ كقوله : ٣٤٢٣ - فَإمَّا تَريْنِي ولِي لمَّةٌ
فإنَّ الحَوادِثَ أوْدَى بِهَا
لو قال : فإنَّ الحدثان، لصحَّ من حيثُ المعنى، فعدل عنه ؛ ليصحَّ الوزنُ.
وقرأ عبد الله أيضاً " َان سَيِّئاتٍ " بالجمع من غير إضافةٍ، وهو خبر " كان " وهي تؤيِّد قراءة الحرميَّين، وأبي عمرو.
فصل قال القاضي - رحمه الله - : دلَّت هذه الآية على أنَّ هذه الأعمال مكروهة عند الله تعالى، والمكروهُ لا يكون مراداً، فهذه الأعمال غير مرادِ الله، فبطل قول من يقول : كل ما دخل في الوجود، فهو مراد الله تعالى، وإذا ثبت أنها ليست بإرادة الله تعالى، وجب ألاَّ تكون مخلوقة - لله تعالى - ؛ لأنَّها لو كانت مخلوقة لله تعالى، لكانت مرادة، لا يقال : المراد من كونها مكروهة : أنَّ الله تعالى نهى عنها.
وأيضاً : معنى كونها مكروهة أن الله تعالى كره وقوعها، وعلى هذا التقدير : فهذا لا يمنع أنَّ الله تعالى أراد وجودها، لأنَّ الجواب أنه عدولٌ عن الظاهر.
وأيضاً : فكونها سيِّئة عند ربِّك يدلُّ على كونها منهيًّا عنها، فلو حملت المكروه على النَّهي، لزم التَّكرار.
والجواب عن الثاني أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الزجر عن هذه الأفعال، ولا يليقُ بهذا الموضع أن يقال : إنه تعالى يكرهُ وقوعها.
٢٨٩
وأجيب بأنَّ المراد من المكروه المنهيُّ عنه، ولا باس بالتَّكرير، لأجل التأكيد.
فصل قال القاضي دلَّت هذه الآية على أنه تعالى كما أنَّه موصوف بكونه مريداً، فكذلك أيضاً موصوفٌ بكونه كارهاً.
وأجيب بأنَّ الكراهية في حقِّه تعالى محمولة إمَّا على النهي، [وإمَّا هي] إرادة العدم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٢٨٨
قوله تعالى :﴿ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ :[مبتدأ أو خبر]، اعلم أن قوله " ذلك " إشارةٌ إلى ما تقدَّم من التكاليف، وهي خمسةٌ وعشرون نوعاً، أولها قوله تعالى :﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَـاهاً آخَرَ﴾ [الإسراء : ٢٢].
وقوله :﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا ااْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء : ٢٣].
وهذا مشتملٌ على تكليفين : الأمر بعبادةِ الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع [ثلاثة].
والرابع : قوله تعالى :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [الإسراء : ٢٣] وقوله :﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ [الإسراء : ٢٣] وقوله ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ [الإسراء : ٢٣، ٢٤] ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ [الإسراء : ٢٦] وقوله :﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ [الإسراء : ٢٨] ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا﴾ [الإسراء : ٢٩] ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَوْلادَكُمْ﴾ [الإسراء : ٣١] ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ﴾ [الإسراء : ٣٣] ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ [الإسراء : ٣٣] ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء : ٣٤] وقوله :﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ [الإسراء : ٣٥] ﴿وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ [الإسراء : ٣٥] وقوله :﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء : ٣٦] ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً﴾ [الإسراء : ٣٧] ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهاً آخَرَ﴾ فهذه خمسةٌ وعشرون تكليفاً، بعضها أوامر وبعضها نواهٍ، جمعها الله تعالى في هذه الآيات، وجعل فاتحتها قوله :﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَـاهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ [الإسراء : ٢٢]، وخاتمتها قوله :﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً﴾ وإنَّما سمَّاها حكمة ؛ لوجوه : الأول : أن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتَّوحيد، وأنواع الطَّاعات والخبرات والإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، والعقول تدلُّ على صحَّتها، فالآتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعياً إلى دين الشيطان، بل الفطرة الأصليَّة تشهد بأنَّه يكون داعياً إلى دبن الرَّحمن.
الثاني : أنَّ هذه الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع
٢٩٠


الصفحة التالية
Icon