قال ذو الرُّمَّة : ٣٤٣٠ - ظَعائِنُ لمْ يَسْكُنَّ أكْنافَ قَرْيةٍ
بِسيفٍ ولَمْ تَنْغُضْ بهنَّ القَناطِرُ
أي : لم تحرَّك، وأمَّا نغض ثلاثيًّا، ينغَض وينغُض بالفتح والضمِّ، فبمعنى تحرَّك، لا يتعدَّى يقال : نغضتْ سنُّه، أي : تحرَّكتْ، تَنغِضُ نغضاً، ونغوضاً.
قال :[الرجز]
٣٤٣١ - ونَغَضتْ مِنْ هَرمٍ أسْنانُهَا
ثم قال تعالى :﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾، أي : البعث والقيامة، وهذا سؤالٌ فاسدٌ ؛ لأنَّهم منعوا الحشر والنشر كما تقدَّم ؛ ثمَّ بين تعالى بالبرهان القاطع كونه ممكناً في نفسه، فقولهم " مَتَى هُوَ " كلام لا يتعلق بالبعث ؛ فإنَّه لما ثبت بالدليل العقليِّ كونه ممكن الوجود في نفسه، وجب الاعتراف بإمكانه، فإنه متى يوجد، فذاك لا يمكن إثباته بالعقل، بل إنما يمكن إثباته بالدَّليل السمعي، فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعيَّن، عرف، وإلا فلا سبيل إلى معرفته.
وقد بين الله تبارك وتعالى في القرآن ؛ أنَّه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعيَّن، فقال جلَّ ذكره :﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان : ٣٤] وقال :﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ [الأعراف : ١٨٧] وقال تعالى :﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه : ١٥] فلا جرم قال تعالى :﴿عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
قال المفسِّرون :" عَسَى " من الله واجبٌ، معناه : أنه قريبٌ، فإن قيل : كيف يكون قريباً، وقد انقرض سبعمائة سنة، ولم يظهر.
فالجواب : قال ابن الخطيب : إن كان معنى :" أكثر مَّا بَقِيَ " كان الباقي قليلاً، ويحتمل أن يريد بالقرب أن إتيان السَّاعة متناهٍ، وكل ما كان متناهياً من الزَّمان فهو قليلٌ، بل أقلُّ من القليل بالنسبة إلى الزَّمان الذي بعده ؛ لأنَّه غير متناهٍ ؛ كنسبة العدد المتناهي إلى العدد المطلقِ ؛ فإنَّه لا ينسب إليه بجزءٍ من الأجزاء، ولو قلَّ.
ويقال في المثل " كل آت قريب ".
قوله تعالى :﴿عَسَى أَن يَكُونَ﴾ يجوز أن تكون الناقصة، واسمها مستتر فيها يعود على البعث والحشر المدلول عليهما بقوَّة الكلام، أو لتضمُّنه في قوله " مَبُْعُوثُونَ " و " أنْ يَكُونَ " خبرها، ويجوز أن تكون التامة مسندة إلى " أنّ " وما في حيزها، واسم " يكون " ضمير البعث ؛ كما تقدَّم.
٣٠٧
وفي " قريباً " وجهان : أحدهما : أنه خبر " كَانَ " وهو وصفٌ على بابه.
والثاني : أنه ظرف، أي : زماناً قريباً، و " أنْ يَكُونَ " على هذا تامة، أي : عسى أن يقع العود في زمانٍ قريبٍ.
قوله تعالى :﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ : فيه أوجه : أحدها : أنه بدل من " قريباً "، إذا أعربنا " قريباً " ظرف زمان، كما تقدَّم.
والمعنى : عَسَى أن يكون يوم البعث يوم يدعوكم، أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة، كقوله تعالى :﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ق : ٤١].
الثاني : أنه منصوب بـ " يكُونَ " قاله أبو البقاء.
وهذا عند من يجيز إعمال الناقصة في الظرف، وإذا جعلناها تامة، فهو معمولٌ لها عند الجميع.
الثالث : أنه منصوب بضمير المصدر الذي هو اسم " يكُون " أي : عسى أن يكون العود يوم يدعوكم، وقد منعه أبو البقاء قال :" لأنَّ الضمير لا يعملُ " يعني عند البصريِّين، وأمَّا الكوفيون، فيعملون ضمير المصدر، كمظهره، فيقولون :" مُرُوري بزيدٍ حسنٌ، وهو بعمرٍو قبيحٌ " فـ " بِعَمْرٍو " عندهم متعلق بـ " هُوَ " لأنه ضمير المرور، وأنشدوا قول زهير على ذلك :[الطويل] ٣٤٣٢ - ومَا الحَرْبُ إلاَّ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم
ومَا هُو عَنْهَا بالحدِيثِ المُرجَّمِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٠٤
فـ " هُوَ " ضمير المصدرِ، وقد تعلق به الجار بعده، والبصريُّون يؤوِّلونه.
الرابع : أنه منصوب بفعل مقدَّر، أي : اذكر يوم يدعوكم.
الخامس : أنه منصوبٌ بالبعث المقدر، قالهما أبو البقاء.
قوله تعالى :" بِحَمدِه " فيه قولان : أحدهما : أنها حالٌ، أي : تستجيبون حامدين، أي : منقادين طائعين.
وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث ؛ كقولك لمن تأمرهُ بعمل يشقُّ عليه : ستأتي به، وأنت حامدٌ شاكرٌ، أي : ستأتي إلى حالة تحمدُ الله وتشكر على أن اكتفى منك بذلك العمل، وهذا يذكر في معرض التهديد.
والثاني : أنها متعلقة بـ " يَدْعُوكُم " قاله أبو البقاء، وفيه قلقٌ.
قوله تعالى :﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ " إنْ " نافية، وهي معلقة للظنِّ عن العمل، وقلَّ من يذكر
٣٠٨


الصفحة التالية
Icon