بـ " يَدْعُونَ "، ويجوز أن يكون " أيُّهُمْ " بمعنى الذي، وهو بدلٌ من الضمير في " يَدعُونَ ".
قال أبو حيان :" علَّق " يَدْعُونَ " وهو ليس فعلاً قلبيًّا، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحاليَّة، ولا يضرُّ ذلك، لأنَّها معمولة للصِّلة ".
قال شهاب الدين : أمَّا كون " يَدْعُونَ " لا يعلق، هو مذهب الجمهور، وقال يونس : يجوز تعليق الأفعال مطلقاً، القلبية وغيرها، وأمَّا قوله " فصل بالجملة الحالية " يعني بها " يَبْتَغُونَ " فصل بها بين " يَدْعُونَ " الذي هو صلة " الَّذينَ " وبين معموله، وهو " أيُّهم أقْرَبُ " لأنه معلَّقٌ عنه، كما عرفته، إلا أنَّ الشيخ لم يتقدَّم في كلامه إعرابُ " يَبْتغُونَ " حالاً، بل لم يعربها إلاَّ خبراً للموصول، وهذا قريبٌ.
وجعل أبو البقاء أيًّا الموصولة بدلاً من واو " يَدْعُونَ "، ولم أرَ أحداً وافقه على ذلك، بل كلُّهم يجعلونها من واو " يَبْتَغُونَ " وهو الظاهر.
وقال الحوفي - رحمه الله - :" أيُّهم أقربُ " ابتداء وخبر، والمعنى : ينظرون أيُّهم أقرب، فيتوسَّلون به، ويجوز أن يكون " أيهم أقرب " بدلاً من واو " يَبْتَغُون ".
قال شهاب الدين : فقد أضمر فعلاً معلقاً، وهو ينظرون فإن كان من نظر البصرِ، تعدَّى بـ " إلى " وإن كان من نظر الفكر، تعدَّى بـ " في " فعلى التقديرين : الجملة الاستفهامية في موضع نصبٍ بإسقاطِ الخافض، وهذا إضمارُ ما لا حاجة إليه.
وقال ابن عطية :" وأيُّهُمْ ابتداء، و " أقْرَبُ " خبره، والتقدير : نظرهم ووكدهم أيهم أقرب، ومنه قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :" فبات النَّاس يدُوكُونَ أيُّهمْ يُعطَاهَا "، أي : يتبارون في القرب ".
قال أبو حيان :" فَجَعلَ المحذوف " نظرُهمْ ووكْدهُمْ " وهذا مبتدأ، فإن جعلت " أيُّهمْ أقربُ " في موضع نصب بـ " نَظرُهُمْ " بقي المبتدأ بلا خبر، فيحتاج إلى إضمار خبر، وإن جعلت " أيُّهم أقربُ " الخبر، لم يصحَّ ؛ لأنَّ نظرهم ليس هو " أيُّهم أقربُ " وإن جعلت التقدير :" نَظرهُمْ في أيهم أقربُ " أي : كائنٌ أو حاصلٌ، لم يصحَّ ذلك ؛ لأنَّ كائناً وحاصلاً ليس ممَّا يعلَّق ".
فقد تحصَّل في الآية الكريمة ستَّة أوجه : أربعة حال جعل " أيّ " استفهاماً : الأول : أنها معلِّقة للوسيلة، كما قرَّره الزمخشريُّ.
الثاني : أنها معلّقة لـ " يَدعُونَ " كما قاله أبو البقاء.
الثالث : أنها معلقة لـ " يَنْظُرونَ " مقدراً، كما قاله الحوفيُّ.
الرابع : أنها معلقة لـ " نَظرُهمْ " كما قدَّره ابن عطيَّة.
واثنان حال جعلها موصولة : الأول : البدل من واو " يَدعُونَ " كما قاله أبو البقاء.
٣١٦
الثاني : أنها بدلٌ من واو " يَبْتغُونَ " كما قاله الجمهور.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣١١
قوله تعالى :﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ﴾ الآية.
فلمَّا قال :﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ [الإسراء : ٥٧] بيَّن أنَّ كلَّ قرية مع أهلها، فلا بدَّ وأن يرجع حالها إلى أحد أمرين : إمَّا الإهلاك، وإمَّا التَّعذيب.
قال مقاتلٌ : أما الصالحة فبالموت، وأما الطالحة، فبالعذاب.
وقيل : المعنى : وإن من قريةٍ من قرى الكفَّار، فلا بدَّ وأن يكون عاقبتها إمَّا بالاستئصال بالكلِّيَّة، وهو الهلاك، أو بعذاب شديدٍ من قتل كبرائهم، وتسليط المسلمين عليهم بالسَّبي، واغتنام الأموالِ، وأخذ الجزية ﴿كَانَ ذالِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾ في اللَّوح المحفوظ.
قال صلوات الله وسلامه عليه :" أوَّل ما خلق الله تعالى القلم قال : أكتُبْ، قال : ما أكْتبُ ؟ قال : القَدَر، وما هُو كَائِنٌ إلى الأبدِ ".
و " إنْ " نافية و " مِنْ " مزيدة في المبتدأ، لاستغراق الجنس.
وقال ابن عطيَّة : هي لبيان الجنس، وفيه نظر من وجهين : أحدهما : قال أبو حيَّان :" لأنَّ التي للبيان، لا بدَّ أن يتقدَّمها مبهم ما، تفسِّره ؛ كقوله تعالى :﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ [فاطر : ٢]، وهنا لم يتقدم شيء مبهم " ثم قال " ولعلَّ قوله " لبيان الجنس " من الناسخ، ويكون هو قد قال : لاستغراقِ الجنس ؛ ألا ترى أنه قال بعد ذلك :" وقيل : المراد الخصوص ".
وخبر المبتدأ الجملة المحصورة من قوله :﴿إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا﴾.
والثاني : أنَّ شرط ذلك أن يسبقها محلَّى بأل الجنسيَّة، وأن يقع موقعها " الذي " كقوله :﴿فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ [الحج : ٣٠].
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣١٦
لما استدلَّ على فساد قول المشركين، وأتبعه بالوعيد، أتبعه بذكر مسألة النبوة، واعلم أنَّ الكفَّار كانوا يقترحون على رسول الله ﷺ إظهار المعجزات، كما حكى الله
٣١٧


الصفحة التالية
Icon