مجاهدٌ، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ : كل ما أصيب من حرامٍ، أو أنفق في حرامٍ.
وقال قتادة : هو جعلهم البحيرة والسَّائبة والوَصِيلةَ والحَامَ.
وقال الضحاك : هو ما يذبحونه لآلهتهم.
وقال عكرمة : هو تبكيتهم آذان الأنعام.
وقيل : هو جعلهم من أموالهم شيئاً لغير الله، كقولهم :﴿هَـذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـاذَا لِشُرَكَآئِنَا﴾ [الأنعام : ١٣٦] والأوَّل أظهر، قاله القاضي.
وأما المشاركة في الأولاد، فقال عطاء عن ابن عباسٍ : هو تسمية الأولاد بـ " عَبدِ شمسٍ، وعَبْدِ العُزَّى، وعَبْدِ الحَارثِ، وعَبْد الدَّار ونحوها ".
وقال الحسن وقتادة : هو أنَّهم هوَّدُوا أولادهم، ونصَّروهم ومجّسُوهم.
وقيل : هو إقدامهم على قتل الأولاد.
وروي عن جعفر بن محمدٍ، أن الشَّيطان يقعد على ذكر الرَّجل فإذا لم يقل : بسم الله، أصاب معه امرأته، وأنزل في فرجها كما ينزل الرَّجل وروي في بعض الأخبار " إنَّ فيكم مُغربِينَ، قيل : وما المُغرِبُونَ ؟ قال : الذين يشارك فيهم الجنّ ".
وروي أنَّ رجلاً قال لابن عبَّاس : إنَّ امراتِي استيقظت وفي فرجها شعلةُ نَارٍ، اقل : ذلِكَ من وطْءِ الجِنِّ.
وفي الآثار : إنَّ إبليس، لمَّا أخرج إلى الأرض، قال : يا ربِّ، أخْرَجتَنِي من الجنَّة ؛ لأجل آدم فسلِّطنِي عليه، وعلى ذُرِّيته، قال : أنت مسلَّطٌ، قال : لا أستطيعه إلا بك ؟ فزدني، قال : استفزز من استطعت منهم بصوتك.
قال آجم : يا ربِّ، اسلَّطت إبليس عليَّ، وعلى ذُريَّتي، وإنَّني لا أستطيعهُ إلاَّ بك، قال : لا يُولَدُ لك ولدٌ إلاَّ وكَّلتُ بِهِ مَنْ يَحْفظونهُ.
قال : زِدْنِي! قال : الحسنةُ بعشرِ أمثالها، والسَّيئةُ بمثلها، قال : زدْنِي، قال : التَّوبةُ معروضةٌ ما دَامَ الرُّوحُ في الجسدِ، قال : زدْنِي، فقال :﴿قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ﴾ [الزمر : ٥٣].
٣٣٢
وخامسها : قوله تعالى ﴿وَعِدْهُمْ﴾.
قيل : معناه : قل لهم : لا جنَّة، ولا نار، ولا بعث.
وقيل :[خذ] منهم الجميل في طاعتك، أي بالأمانِي الباطلة ؛ كقوله لآدم - صلوات الله عليه - :﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف : ٢٠].
وقيل : عدهم بشفاعةِ الأصنامِ عند الله، والأنساب الشريفة، وإيثار العاجل على الآجل.
واعلم أنَّ مقصود الشيطان الترغيب في اعتقاد الباطل، وعمله، والتَّنفير عن اعتقاد الحقِّ، ومعلومٌ أنَّ الترغيب في الشيء لا يمكن إلاَّ بأن يقرر عنده ألاَّ بأن يقرَّر عنده أنه لا فائدة في فعله، ومع ذلك يفيد المضارَّ العظيمة، وإذا ثبت هذا، فالشيطان إذا دعا إلى معصيةٍ، فلا بدَّ وأن يتقرَّر أولاً : أنَّه لا مضرَّة في فعله ألبتَّة، وذلك لا يمكن إلا إذا قال : لا معاد، ولا جنَّة ولا نار، ولا حياة غير هذه الحياة الدنيا، فإذا فرغ من هذا المقام، قرَّر عنده أنَّ هذا الفعل يفيد أنواعاً من اللَّذة والسُّرور، ولا حياة للإنسان في هذه الحياة الدنيا إلاَّ به، فتفويتها غبنٌ وخسران ؛ كقوله :[الطويل] ٣٤٤٠ - خُذُوا بِنَصِيبٍ مِنْ نَعيمٍ ولَذَّةٍ
فَكُلٌّ وإنْ طَالَ المَدَى يَتَصَرَّمُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٢٨
فهذا هو طريقُ الدَّعوة إلى المعصية، وأمَّا طريقُ التنفير من الطاعات، فهو أن يقرِّر عنده أوَّلاً أنه لا فائدة فيها للعبادِ والمعبود، فكانت عبثاً، وأنَّها توجبُ التَّعب والمحنة، وذلك أعظم المضارِّ.
فقوله :﴿وَعِدْهُمْ﴾ يتناول جميع هذه الأقسام.
قوله تعالى :﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ﴾ من باب الالتفات، وإقامة الظاهر مقام المضمر ؛ إذ لو جرى على سننِ الكلامِ الأوَّل، لقال : وما تعدهم، بالتاء من فوق.
قوله تعالى :﴿إِلاَّ غُرُوراً﴾ فيه أوجهٌ : أحدها : أنه نعت مصدر محذوف وهو نفسه [مصدر]، الأصل : إلا وعداً غروراً، فيجيء فيه ما في " رجلٌ عدلٌ " [أي] : إلاَّ وعداً ذا غرورٍ، أو على المبالغةِ، أو على : وعداً غارًّا، ونسب الغرور إليه مجازاً.
الثاني : أنه مفعول من أجله، أي : ما يعدهم ممَّا يعدهم من الأماني الكاذبة إلاَّ لأجل الغرور.
الثالث : أنه مفعولٌ به على الاتِّساعِ، أي : ما يعدهم إلا الغرور نفسه.
والغرورُ : تزيينُ الباطل مما يظنُّ أنه حقٌّ.
فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء، وهو يقول : إنَّ الله لا يأمر بالفحشاء.
٣٣٣