فالمعنى : أناه لا تلفي شيئاً إلا قصفته، وكسرته.
والثاني : أن يكون من " قَصِفَ " قاصراً، أي : صار له قصيفٌ، ياقل : قَصِفتِ الرِّيحُ، تقصفُ، أي : صوَّتتْ، و " مِنَ الرِّيحِ " نعتٌ.
قوله تعالى :" قَاصِفاً " القاصِفُ يحتمل أن يكون من " قَصَفَ " متعدِّياً، ياقل : قصفت الرِّيحُ الشجر تقصفها قصفاً ؛ قال أبو تمَّام :[البسيط] ٣٤٤٣ - إنَّ الرِّيَاحَ إذَا مَا أعْصفَتْ قَصفَتْ
عَيْدانَ نَجْدٍ ولمْ يَعْبَأنَ بالرَّتمِ
فالمعنى : أنها لا تلفي شيئاً إلا قصفته، وكسرته.
والثاني : أن يكون من " قَصِفَ " قاصراً، أي : صار له قصيفٌ، يقال : قَصِفتِ الرِّيحُ، تقصفُ، أي : صوَّتتْ، و " مِنَ الرِّيحِ " نعتٌ.
قوله تعالى :﴿بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى " الذي " والباء للسببية، أي : بسبب كفركم، أو بسبب الذي كفرتم به، ثم اتُّسعَ فيه، فحذفت الباءُ، فوصل الفعل إلى الضمير، وإنَّما احتيج إلى ذلك ؛ لاختلافِ المتعلق.
وقرأ أبو جعفرٍ، ومجاهدٌ :" فتُغْرِقَكُم " بالتاء من فوق أسند الفعل لضمير الرِّيح، وفي كتاب أبي حيَّان :" فتُغْرِقَكُمْ " بتاء الخطاب مسنداً إلى " الرِّيح " والحسن وأبو رجاء بياء الغيبة، وفتح الغين، وتشديد الراء، عدَّاه بالتضعيف، والمقرئ لأبي جعفر كذلك إلاَّ أنه بتاء الخطاب.
قال شهاب الدين : هو إمَّا سهوٌ، وإمَّا تصحيفٌ من النساخ عليه ؛ كيف يستقيم أن يقول بتاءِ الخطاب، وهو مسندٌ إلى ضمير الرِّيحِ، وكأنه أراد بتاء التأنيث، فسبقه قلمه أو صحَّف عليه غيره.
وقرأ العامة " الرِّيحِ " بالإفراد، وأبو جعفرٍ :" الرِّياح " بالجمع.
قوله :" به تَبِيعاً " يجوز في " بِهِ " أن يتعلَّق بـ " تَجِدُوا " وأن يتعلق بـ " تَبِيعاً "، وأن يتعلق بمحذوفٍ ؛ لنه حالٌ من " تبيعًا " والتَّبِيعُ : المطالب بحقِّ الملازمُ، قال الشَّماخ :[الوافر] ٣٤٤٤ -................
كمَا لاذَ
الغَريمُ مِنَ التَّبيعِ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٣٧
وقال آخر :[الطويل]
٣٣٨
٣٤٤٥ - غَدَوْا وغَدتْ غِزلانُهمْ فَكأنَّهَا
ضَوَامِنُ مِنْ غُرْمٍ لهُنَّ تَبِيعُ
فصل ومعنى الآية ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ﴾، يعني في البحر ﴿تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً﴾.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - : أي عاصفاً، وهي الرِّيح الشديدة وقال أبو عبيدة : هي الرِّيح التي تقصف كلَّ شيءٍ، أي : تدقٌّه وتحطمه ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً﴾ ناصراً ولا ثائراً، وتبيع بمعنى تابعٍ، أن تابعاً مطالباً بالثَّأر.
وقال الزجاج - رضي الله عنه - : من يتبعنا بإنكارِ ما نزل بكم، ولا من يتتبّعنا بأن نصرفه عنكم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٣٧
وهذه نعمة أخرى عظيمة من نعم الله - تعالى - على الإنسان، وهي تفضيل الإنسان على غيره.
واعلم أنه ليس المراد من الكرمِ في المالِ.
وعدَّاه بالتضعيف، وهو من كرم بالضَّم كـ " شَرُفَ "، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : كلُّ شيءٍ يأكل بفيه إلاَّ ابن آدم يأكل بيديه.
وروي عنه أنه قال : بالعقل.
وقال الضحاك : بالنُّطق والتَّمييز.
وقال عطاء : بتعديل القامة، وامتدادها.
وينبغي أن يشترط مع هذا شرطٌ، وهو طول العمر، مع استكمال القوَّة العقليَّة والحسيَّة والحركيَّة، وإلاَّ فالأشجار أطول قامة من الإنسانِ، والدَّوابُّ منكبَّة على وجوهها.
٣٣٩