والأولى أن يقال : عوامُّ الملائكة أفضل من عوامِّ المؤمنين، وخواصُّ المؤمنين أفضل من خواصِّ الملائكة، قال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة : ٧].
ورُوِيَ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :" المُؤمِنُ أكْرَمُ على الله مِنَ المَلائِكَةِ الَّذينَ عِندَهُ " رواه البغويُّ وأورده الواحدي في " البسيط ".
واحتجَّ القائلون بتفضيل الملائكة على البشر على الإطلاق بهذه الآية.
قال ابن الخطيب : وهو في الحقيقة تمسُّكٌ بدليل الخطاب، وتقريره أن يقال : تخصيص الكثير بالذكر يدلُّ على أنَّ الحال في القليل بالضدِّ، وذلك تمسُّك بدليل الخطاب.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٣٩
لما ذكر كرامات الإنسان في الدُّنيا، شرح درجات أحواله في الآخرة.
قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَدْعُواْ﴾ : فيه أوجه : أحدها : أنه منصوبٌ على الظرفية، والعامل " فضَّلنَاهُمْ " أي : فضَّلناهم بالثواب يوم ندعُو، قال ابن عطيَّة في تقريره : وذلك أنَّ فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بيِّنٌ، إذ هم المكلَّفون المنعَّمون المحاسبون الذين لهم القدرُ ؛ إلا أنَّ هذا يردُّه أنَّ الكفار [يومئذٍ] أخسرُ مِنْ كلِّ حيوانٍ ؛ لقولهم :﴿يا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً﴾ [النبأ : ٤٠].
الثاني : أنه منصوبٌ على الظرف، والعامل فيه " اذكُرْ " قاله الحوفيُّ وابن عطيَّة، وهذا سهوٌ ؛ كيف يعمل فيه ظرفاً ؟ بل هو مفعولٌ.
الثالث : أنه مرفوعُ المحلِّ على الابتداء، وإنما بُنِيَ لإضافته إلى الجملة الفعلية، والخبر الجملة بعده، قال ابن عطيَّة في تقريره : ويصحُّ أن يكون " يوم " منصوباً على البناء، لمَّا أضيف إلى غير متمكِّنٍ، ويكون موضعه رفعاً بالابتداء، وخبره في التقسيم الذي أتى بعده في قوله " فَمنْ أوتِي كِتابَهُ " إلى قوله " ومَنْ كَانَ " قال أبو حيان : قولهُ " منصوبٌ على البناء " كان ينبغي أن يقول : مبنياً على الفتح، وقوله " لمَّا أضيف إلى غير متمكِّن " ليس بجيِّدٍ ؛ لأنَّ المتمكِّن وغير المتمكِّن، إنما يكون في الأسماءِ، لا في الأفعالِ، وهذا أضيف إلى فعلٍ مضارع، ومذهبُ البصريين فيه أنه معربٌ، والكوفيون يجيزون بناءه، وقوله :" [والخبر] في التقسيم " إلى آخره، التقسيم عارٍ من رابطٍ يربط جملة التقسيم بالابتداء.
قال شهاب الدين : الرابط محذوفٌ للعلم به، أي : فمن أوتي كتابه فيه.
٣٤٢
الرابع : أنه منصوب بقوله " ثُمَّ لا تجِدُوا " قاله الزجاج.
الخامس : أنه منصوب بـ " يُعِيدكُمْ " مضمرة، أي : يعيدكم يوم ندعو.
السادس : أنه منصوبٌ بما دلَّ عليه " ولا يُظلَمُونَ " بعده، أي : لا يظلمون يوم ندعو، قاله ابن عطية وأبو البقاء.
السابع : أنه منصوب بما دلَّ عليه " متى هو ".
الثامن : أنه منصوبٌ بما تقدَّمه من قوله تعالى :﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء : ٥٢].
التاسع : أنه بدلٌ من " يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ".
وهذان القولان ضعيفان جدًّا ؛ لكثرة الفواصل.
العاشر : أنه مفعول به بإضمار " اذكر " وهذا - وإن كان أسهل التقادير - أظهر ممَّا تقدَّم ؛ إذ لا بعد فيه ولا إضمار كثيرٌ.
وقرأ العامة " نَدْعُو " بنون العظمة، ومجاهدٌ " يَدعُو " بياء الغيبة، أي : الله تعالى أو الملك، و " كُلَّ " نصْبٌ مفعولاً به على القراءتين.
وقرأ الحسن فميا نقله الدَّانيُّ عنه " يُدعَى " مبنيًّا للمفعول " كُلُّ " مرفوعٌ ؛ لقيامه مقام الفاعل، وفيما نقله عنه غيره " يُدْعَوْ " بضم الياء، وفتح العين، بعدها واوٌ، وخرجت على وجهين : أحدهما : أن الأصل :" يُدْعَوْنَ " فحذفت نون الرفع، كما حذفت في قوله - صلوات الله وسلامه عليه - :" لا تَدْخُلُوا الجَنَّة حتَّى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتَّى تَحابُّوا " وقوله :[الرجز] ٣٤٤٦ - أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدْلُكِي
وجْهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْكِ الذَّكِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٤٢
و " كلُّ " مرفوع بالبدلِ من الواو التي هي ضميرٌ، أو بالفاعلية، والواو علامة على لغة " يَتعاقَبُون فِيكُمْ مَلائِكةٌ ".
والتخريج الثاني : أنَّ الأصل " يُدْعَى " كما نقله عنه الدَّاني، إلاَّ أنه قلب الألف واواً وقفاً، وهي لغة قومٍ، يقولون : هذه أفْعَوْ وعَصَوْ، يريدون : أفْعى وعَصَا، ثم أجري الوصل مجرى الوقفِ.
و " كُلُّ " مرفوعٌ لقيامه مقام الفاعل على هذا، ليس إلا.
قوله تعالى :﴿بِإِمَامِهِمْ﴾ يجوز أن تكون الباء متعلقة بالدعاء، أي : باسم إمامهم، قال مجاهدٌ : بِنَبِيِّهِمْ.
٣٤٣


الصفحة التالية
Icon