ولقد آتينا موسى معجزات مساويات لهذه الأشياء التي طلبتموها، بل أقوى، وأعظم، فلو حصل في علمنا أنَّ جعلها في زمانكم ؛ لعلمنا بأنها لا مصلحة في فعلها.
واعلم : أنه [أزال] القعدة في لسانه.
قال المفسرون : أذهب الأعجمية منه، وبقي فصيحاً.
ومنها : انقلاب العصا حيَّة.
ومنها : تلقُّف الحية حبالهم وعصيَّهم، مع كثرتها.
ومنها : اليد البيضاء من غير سوء.
ومنها : الطُّوفان والجراد، والقمَّل، والضَّفادع، والدَّم.
ومنها : شقُّ البحر.
ومنها : ضربه الحجر بالعصا، فانفجر.
ومنها : إظلال الجبل.
ومنها : إنزال المنِّ والسلوى عليه وعلى قومه.
ومنها : قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف : ١٣٠] لأهل القرى ؛ فهذه آيتان.
ومنها : الطَّمس على أموالهم، فجعلها حجارة من النَّخيلِ، والدَّقيق، والأطعمة، والدَّراهم والدَّنانير.
روي أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب، عن قوله :﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾، فذكر محمد بن كعب في جملة التسعة ؛ حلَّ عقدة اللِّسان، والطَّمس، فقال عمر بن العزيز : هكذا يجبُ أن يكون الفقيهُ، ثم قال : يا غلامُ، أخرج ذلك الجراب، فأخرجه، فإذا فيه بيضٌ مكسورٌ ؛ نصفين، وجوز مكسور، وفول، وحمص، وعدس، كلها حجارة.
وإذا كان كذلك، فإنه تعالى ذكر في القرآن أنَّ هذه المعجزات لموسى ﷺ وقال في هذه الآية :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ وتخصيص التسعة بالذِّكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه ؛ لأنَّه ثبت في أصول الفقه أنَّ تخصيص العدد بالذكر لا يدلُّ على نفي الزائد ؛ وهذه الآية دليل على هذه المسألة.
واعلم : أن هذه التسعة قد اتَّفقوا على سبعة منها ؛ وهي : العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وبقي اثنتان اختلفت أقوال المفسرين
٣٩٨
فيهما، ولمَّا لم تكن تلك الأقوال مستندة إلى حجَّة ظنيَّة ؛ فضلاً عن حجة يقينيَّة، لا جرم تركت تلك الروايات.
فصل في أجود ما قيل في تفسير التسع آيات في تفسير قوله :﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ قول هو أجود ما قيل، وهو ما روي عن صفوان بن عسَّالٍ المراديِّ : أن يهوديًّا قال لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع الآيات، فقال الآخر : لا تقل : نبي ؛ فإنه لو سمع، لصارت له أربعة أعين فأتياه، فسألاه عن هذه الآية ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾.
فقال : هِيَ ألاَّ تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النَّفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحقِّ، ولا تَزنُوا، ولا تَأكلُوا الرِّبا، ولا تَسْحرُوا، ولا تمشُوا بالبريءِ للسلطان ؛ ليقتله، ولا تسرقوا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تَفرُّوا من الزَّحف، وعليكم - خاصة اليهود - ألاَّ تعذوا في السَّبت، فقام اليهوديَّان يقبِّلان يده، ويقولون : نشهدُ أنَّك نبيٌّ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قال اليهودي : إنَّ داود دعا ربَّهُ ألاَّ يزال في ذُريَّته نبيٌّ، وإنَّا نخافُ إن اتَّبعنَاكَ أن تقْتُلنَا يهُودُ.
قوله تعالى :﴿تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ :[يجوز في " بَيِّنات " ] النصب صفة للعدد، والجر صفة للمعدود.
قوله :" إذْ جَاءهُمْ " فيه أوجهٌ : أحدها : أن يكون معمولاً لـ " آتيْنا " ويكون قول÷ " فاسْألْ بَنِي إسْرائيلَ " اعتراضاً، وتقديره : ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّناتٍ ؛ إذ جاء بني إسرائيل، فسألهم، وعلى هذا التقدير : فليس المطلوبُ من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما ذكره الرسول ﷺ فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد.
والثاني : أنه منصوب بإضمار اذكر.
والثالث : أنه منصوبٌ بـ " يُخْبرُونكَ " مقدراً.
الرابع : أنه منصوب بقولٍ مضمرٍ ؛ إذ التقدير : فقلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم، ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبلُ [قال :] فاسْأَلْ بنِي إسْرائيلَ، أي : فقلنا له : اسأل بني إسرائيل، أي : اسْألهُم عن فرعون، وقل له : أرسل معي بني إسرائيل، أو اسألهم عن إيمانهم، وحال دينهم، أو اسألهم أن يعاضدوك.
ويدل عليه قراءة رسول الله " فَسَألَ " على لفظ الماضي، بغير همزٍ، وهي لغة قريشٍ.
٣٩٩


الصفحة التالية
Icon