قلت : معناه : جعل ذقنهُ، ووجههُ [للخرور]، قال الزجاج : الذَّقنُ : مجمع اللَّحيين، وكلما يبتدئ الإنسان بالخرور إلى السجود، فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض الذَّقنُ.
وقيل : الأذقان اللِّحى ؛ فإن الإنسان، إذا بالغ في السجود، والخضوع، ربَّما مسح ليحتهُ على التُّراب ؛ فإنَّ اللحية يبالغ في تنظيفها، فإذا عفَّرها بالتُّراب، فقد أتى بغايةِ التعظيم [للخُرور].
واختصَّ به ؛ لأنَّ اللام للاختصاص، وقال أبو البقاء :" والثاني : هي متعلقة بـ " يَخِرُّون "، واللام على بابها، أي : مذلُّون للأذقان ".
والأذقانُ : جمعُ ذقنٍ، وهو مجمعُ اللَّحيين ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٣٤٧٩ - فَخرُّوا لأذقَانِ الوُجوهِ تَنُوشُهمْ
سِباعٌ من الطَّيْرِ العَوادِي وتَنتِفُ
و " سُجَّداً " حال، وجوَّز أبو البقاء في " للأذقانِ " أن يكون حالاً، قال :" أي : ساجدين للأذقان " وكأنه يعني به " للأذْقانِ " الثانية ؛ لأنَّه يصير المعنى : ساجدين للأذقان سجداً ؛ ولذلك قال :" والثالث : أنها - يعني اللام - [بمعنى] " على " ؛ فعلى هذا يكون حالاً من " يَبْكُونَ "، و " يَبْكُون " حال ".
فإن قيل : لم قيل : يَخرُّون للأذقان سجداً، ولم يقل يسجدون ؟ والجواب : أن المقصود من هذا اللفظ مسارعتهم إلى ذلك ؛ حتَّى أنهم يسقطون.
ثم قال :﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾، أي : كان قولهم في سجودهم :" سبحان ربِّنا "، أي : ينزِّهونه، ويعظِّمونه ﴿إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾ أي : بإنزال القرآن، وبعث محمد - عليه الصلاة والسلام - وهذا يدلُّ على أنَّ هؤلاء كانوا من أهل الكتاب، لأنَّ الوعد ببعثة محمد سبق في كتابهم، وهم كانوا ينتظرون إنجاز ذلك الوعد، ثم قال :﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾.
٤٠٨
والفائدة في هذا التكرير اختلاف الحالين، وهما : خُرورهُمْ في حال كونهم باكين، في حال استماع القرآن، ويدلُّ عليه قوله :﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾.
وجاءت الحال الأولى اسماً ؛ لدلالته على الاستقرار، والثانية فعلاً ؛ لدلالته على التجدُّد والحدوث.
ويجوز أن يكون القول دلالة على تكرير الفعل منهم.
وقوله :" يَبْكُونَ "، معناه : الحال، ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾، أي : تواضعاً.
قوله :﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾ : فاعل " يزيدُ " : إمَّا القرآن، أو البكاءُ، أو السُّجودُ، أو المتلوُّ، لدلالة قوله :" إذَا يُتْلَى ".
قوله تعالى :﴿قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـانَ﴾ الآية.
قال ابن عباس : سجد رسول الله ﷺ بمكَّة ذات ليلة، فجعل يبكي، ويقول في سجوده :(يا الله، يا رحمن).
فقال أبو جهلٍ : إنَّ محمداً ينهانا عن آلهتنا، وهو يدعو إلهين، فأنزل الله هذه الآية، ومعناه : أنَّهما اسمان لواحدٍ، [أي :] أيَّ هذين الاسمين سميتم، فله الأسماءُ الحسنى.
قوله :﴿أَيّاً مَّا تَدْعُواْ﴾ :[ " أيًّ " ] منصوب [بـ " تَدْعُوا " ] على المفعول به، والمضاف إليه محذوف، أي : أيَّ الاسمين، و " تَدْعُوا " مجزوم بها، فهي عاملة معمولة، وكذلك الفعل، والجواب الجملة الاسمية من قوله " فلهُ الأسْماءُ الحُسنَى ".
وقيل : هو محذوفٌ، تقديره : جاز، ثم استأنف، فقال : فله الأسماء الحسنى، وليس بشيءٍ.
والتنوين في " أيًّا " عوض من المضاف إليه، وفي " ما " قولان : أحدهما : أنها مزيدة للتأكيد.
والثاني : أنها شرطية جمع بينهما ؛ تأكيداً كما جمع بين حرفي الجر ؛ للتأكيد، وحسَّنه اختلافُ اللفظ ؛ كثوله :[الطويل] ٣٤٨٠ - فأصْبَحْنَ لا يَسْألنَنِي
عن بِمَا بِهِ..............
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٠٤
ويؤيِّد هذا ما قرأ به طلحة بن مصرِّفٍ " أيًّا من تدعُوا " فقيل :" مَنْ " تحتمل الزيادة على رأي الكسائيِّ ؛ كقوله :[الكامل] ٣٤٨١ - يَا شَاةَ من قَنصٍ لمَنْ حَلَّتْ لهُ
...............
٤٠٩
واحتمل أن تكون شرطية، وجمع بينهما ؛ تأكيداً لما تقدَّم، و " تَدعُوا " هنا يحتمل أن يكون من الدعاء، وهو النداءُ، فيتعدَّى لواحدٍ، وأن يكون بمعنى التسمية، فيتعدَّى لاثنين، إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجرِّ، ثم يتسع في الجارِّ فيحذف ؛ كثوله :[الطويل] ٣٤٨٢ - دَعتْني أخَاهَا أمُّ عَمْرٍو.......
.................