وأيضاً فإنه لا يلزم من منع ذلك ملفوظاً به منعه مقدّراً لزوال القُبْحِ اللفظي.
وعن الثَّاني : بأنه إنما يمنع لأجل اللَّبْسِ موصوفةً، والكلام في عائدها كالكلام في عائدها موصولةً تقديراً واعتراضاً وجواباً.
الثَّالث : أن تكون مصدريةً، ويكون المصدر واقعاً موقع المفعول أي : مرزوقاً.
وقد منع أبو البقاء هذا الوَجْهَ قال :" لأنَّ الفعل لا يتفق "، وجوابه ما تقدّم من أنّ المصدر يراد يه المفعول.
والرزق لغة : العَطَاء، وهو مصدر ؛ قال تعالى :﴿وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل : ٧٥] وقال الشَّاعر :[البسيط] ١٢٧ - رُزِقْتَ مَلاً وَلَمْ تُرْزَقْ مَنَافِعَهُ
إِنَّ الشَّقِيَّ هُوَ الْمَحْرُومُ مَا رُزِقَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧٩
وقيل : يجوز أن يكون " فِعْلاً " بمعنى " مفعول " نحو :" ذِبْح "، و " رِعْي " بمعنى :" مَذْبوح "، و " مَرْعيّ ".
وقيل :" الرِّزْق " - بالفتح - مصدر، وبالكسر اسم، وهو في لغة أزد شنوءة : الشّكر، ومنه :﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة : ٨٢].
وقال بعضهم : ويدخل فيه كل ما ينتفع به حتى الولد والعَبْد.
وقيل : هو نصيب الرجل، وما هو خاص له دون غيره.
ثم قال بعضهم الرزق كل شيء يؤكل أو يستعمل، وهو باطل ؛ لأن الله - تعالى - أمرنا بأن ننفق مما رزقنا فقال :﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا﴾ [المنافقون : ١٠]، فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لما أمكن إنفاقه.
٢٩١
وقال آخرون : الرزق هو ما يملك وهو باطل أيضاً ؛ لأن الإنسان قد يقول : اللهم ارزقني ولداً صالحاً، أو زوجة صالحة، وهو لا يملك الولد ولا الزَّوجة، ويقول : اللَّهم أرزقني عقلاً أعيش به، والعقل لي بمملوك، وأيضاً البهيمة يحصل له رزقٌ ولا يكون لها ملك.
وأما في عُرف الشَّرع فقد اختلفوا فيه، فقال أبو الحَسَنِ البَصْرِي : الرزق تمكين الحَيَوَان من الانتفاعِ بالشيء، والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به.
فإذا قلنا : قد رزقنا الله الأموال، فمعنى ذلك أنه مَكَّننا بها من الانتفاع بها، وإذا سألنا - تعالى - أن يرزقنا مالاً فإنا لا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخصّ.
واعلم أن المعتزلة لما فسّروا الرزق بذلك لا جَرَمَ قالوا : الحرام لا يكون رزقاً.
وقال أصحابنا : الحرام قد يكون رزقاً.
قال ابن الخطيب : حُجّة الأصحاب من وجهين : الأول : أنّ الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه، فمن انتفع بالحرام، فذلك الحرام صار حظَّا ونصيباً، فوجب أن يكون رزقاً له.
الثَّاني : أنه تعالى قال :﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود : ٦]، وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السّرقة، فوجب أن يقال : إنه طول عمره لم يأكل من رزق شيئاً.
أما المعتزلة : فقد احتجُّوا بالكتاب، والسُّنة، والمعنى : أما الكتاب فوجوه : أحدها : قوله تعالى :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة : ٣] مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقاً لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام، وذلك باطل بالاتفاق.
ثانياً : لو كان الحرام رزقاً لجاز أن ينفق الغاصب منه، لقوله تعالى :﴿مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [المنافقون : ١٠]، وأجمع المسلمون على أنَّهُ لا يجوز للغاصب أن ينفق [مما أخذه]، بل يجب رَدّه، فدلّ على أنَّ الحرام لا يكون رزقاً.
ثالثها : قوله تَعَالى :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس : ٥٩] فبين أن من حرم رزق الله، فهو مُفْتَرٍ على الله، فثبت أن الحرام لا يكون رزقاً.
وأما السُّنة فما رواه أبو الحسين في كتاب " الفرائض " بإسناده عن صفوان بن أمية
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon