وعن سعيد بن جبيرٍ : بعد سنة، أو شهرٍ، أو أسبوعٍ، أو يوم.
وعن عطاءٍ : بمقدار حلب ناقةٍ غزيرةٍ.
وعند عامة الفقهاء : لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولاً، وقالوا : لأنا لو جوَّزنا ذلك، لزم ألاَّ يستقرَّ شيءٌ من العهود والإيمان.
[يحكى] أنه بلغ المنصور أنّ أبا حنيفة خالف ابن عبَّاس في الاستثناء المنفصل، فاستحضره ؛ لينكر عليه، فقال له أبو حنيفة : هذا يرجع عليك ؛ فإنك تأخذ البيعة بالأيمان، أترضى أن يخرجوا من عندك، فيستثنوا، فيخرجوا عليك، فاستحسن المنصور كلامه، ورضي عنه.
واعلم أن هذا تخصيص النصِّ بالقياس، وفيه ما فيه.
وأيضاً فلو قال :" إنْ شَاءَ الله " خفية ؛ بحيث لا يسمع، كان دافعاً للحنث بالإجماع، مع أنَّ المحضور باقٍ، فما عوَّلوا عليه ليس بقويٍّ، [والأولى] أن يحتجَّ في وجوب كون الاستثناء متَّصلاً بالآيات الكثيرة الدالة على وجوب الوفىءِ بالعقد والعهد ؛ كقوله :﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة : ١] ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء : ٣٤]، فإذا أتى بعهدٍ، وجب عليه الوفاء بمقتضاه بهذه الآيات.
خالفنا الدليل فيما إذا كان متَّصلاً ؛ لأن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلام الواحد ؛ بدليل أنَّ الاستثناء وحده لا يفيد شيئاً، فهو جارٍ مجرى بعض الكلمة الواحدة، فجملة الكلام كالكلمة الواحدة المفيدة، وإذا كان كذلك، فإن لم يكن منفصلاً، حصل الالتزام التَّامُّ بالكلام ؛ فوجب عليه الوفاء بذلك المتلزم.
وقيل : إن قوله :﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ كلامٌ مستأنفٌ لا تعلّق له بما قبله.

فصل قال عكرمة : واذكر ربَّك، إذا غضبت.


وقال وهبٌ : مكتوب في الإنجيل " ابن آدمَ، اذكُرنِي حين تغضبُ، أذكرك حينَ أغْضَبُ ".
٤٦١
وقال الضحاك، و السديُّ : هذا في الصَّلاة المنسيَّة.
قال ابن الخطيب : وتعلق هذا الكلام بما قبله يفيد إتمام الكلام في هذه القضيَّة، وجعله مستأنفاً يصير الكلام مبتدأ منقطعاً، وذلك لا يجوز.
ثم قال :﴿وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـذَا رَشَداً﴾ وفيه وجوهٌ : الأول : أن ترك قوله :" إنْ شَاءَ اللهُ " ليس بحسن، وذكره أحسن من تركه، وهو قوله :﴿لأَقْرَبَ مِنْ هَـذَا رَشَداً﴾ المراد منه ذكر هذه الجملة.
الثاني : أنَّه لمَّا وعدهم بشيءٍ، وقال معه (إن شاء الله تعالى) فيقول : عسى أن يهديني ربِّي لشيءٍ أحسن وأكمل مما وعدتُّكم به.
الثالث : أن قوله :﴿عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـذَا رَشَداً﴾ إشارة إلى قصَّة أصحاب الكهف، أي : لعلَّ الله يؤتيني من البيِّنات والدلائل على صحَّة نبوَّتي وصدقي في ادِّعاء النبوة ما هو أعظم في الدلالة، وأقرب رشداً من قصَّة أصحاب الكهف، وقد فعل الله ذلك حين آتاهُ من قصص الأنبياء، والإخبار بالغيوب ما هو أعظم من ذلك.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٥٨
قوله :﴿وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً﴾.
قال قتادة : هذا من كلام القوم ؛ لأنَّه تعالى قال :﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف : ٢٢] إلى أن قال :﴿وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ﴾ أي : إنَّ أولئك الأقوام، قالوا ذلك، ويؤيِّده قوله تعالى بعده ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ﴾ وهذا يشبهُ الردَّ على الكلام المذكور قبله.
ويؤيِّده أيضاً ما ورد في مصحف عبد الله :(وقالوا ولبثوا في كهفهم).
وقال آخرون : هو كلام الله تعالى أخبر عن كميَّة هذه المدَّة.
٤٦٢


الصفحة التالية
Icon