تراب " لا على أنَّه ضمير الشأن، وإن كان أبو البقاء أطلق ذلك، وليس بالبيِّن.
وخرَّجه الفارسي على وجهٍ غريب : وهو أن تكون " لكِنَّا " " لكنَّ " واسمها وهو " نا " والأصل :" لكنَّنا " فحذف إحدى النونات ؛ نحو :﴿إنَّا نَحْنُ﴾ [الحجر : ٩] وكان حق التركيب أن يكون " ربُّنا " " ولا نُشرِكُ بربِّنا " قال :" ولكنه اعتبر المعنى، فأفرد " وهو غريبٌ جدًّا.
قال الكسائي : فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره :" لكنَّ الله هُوَ ربِّي ".
وقرأ أبو عمرو " لكنَّهْ " بهاء السَّكت وقفاً ؛ لأنَّ القصد بيان حركة نون " أنَا " فتارة تبيَّن بالألف، وتارة بهاء السكت، وعن حاتم الطائي :[الرمل المجزوء]
٣٥٢٩ - هَكذَا فَرْدِي أَنَهْ
وقال ابن عطية عن أبي عمرو : روى عنه هارون " لكنَّه هو الله " بضمير لحق " لكن " قال شهاب الدين : فظاهر هذا أنه ليس بهاء السَّكت، بل تكون الهاءُ ضميراً اسماً لـ " لكِنْ " وما بعدها الخبر ويجوز أن يكون " هو " مبتدأ، وما بعده خبره، وهو وخبره خبر " لكنَّ " ويجوز أن يكون تأكيداً للاسم، وأن يكون فصلاً، ولا يجوز أن يكون ضمير شأنٍ ؛ لأنه حينئذ لا عائد على اسم " لكنَّ " من هذه الجملة الواقعة خبراً.
وأمَّا في قراءة العامة : فلا يجوز أن تكون " لكنَّ " مشددة عاملة ؛ لوقوع الضمير بعدها بصيغة المرفوع.
وقرأ عبد الله " لكنْ أنَا هُوَ " على الأصل من غير نقل، ولا إدغامٍ، وروى عنه ابنُ خالويه " لكنْ هُو الله " بغير " أنا ".
وقرئ أيضاً " لكننا ".
وقال الزمخشريُّ :" وحسَّن ذلك - يعني إثبات الألف في الوصل - وقوع الألف عوضاً عن حذف الهمزة " ونحوه - يعني إدغام نون " لكن " في نون " نَا " بعد حذف الهمزة - قول القائل : ٣٥٣٠ - وتَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ أيْ أنْتَ مُذنِبٌ
وتَقْلِيننِي لكنَّ إيَّاكِ لا أقْلِي
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٨٣
الأصل : لكن أنا، فنقل، وحذف، وأدغم، قال أبو حيان :" ولا يتعيَّن ما قاله في
٤٩٠
البيت ؛ لجواز أن يكون حذف اسم " لكنَّ " [وحذفه] لدليلٍ كثيرٌ، وعليه قوله : ٣٥٣١ - فَلوْ كُنْتَ ضَبيًّا عَرفْتَ قَرابتِي
ولكنَّ زَنْجِيٌّ عَظِيمُ المَشافرِ
أي : ولكنَّك، وكذا ها هنا : ولكنَّني إيَّاك " قال شهاب الدين : لم يدَّع الزمخشري تعين ذلك في البيت ؛ حتَّى يردَّ عليه بما ذكره.
ويقرب من هذا ما خرَّجه البصريُّون في بيت استدلَّ به الكوفيون عليهم في جواز دخولِ لام الابتداء في خبر " لكنَّ " وهو :[الطويل] ٣٥٣٣ -..............
ولكنَّني من حُبِّهَا لعَمِيدُ
فأدخل اللام في خبر " لكنَّ " وخرَّجه البصريون على أن الأصل :" ولكن من حُبِّها " في قوله :" ولكنَّني من حُبِّها لعمِيدُ "، فأدغم اللام في خبر " لكنَّ "، وجوَّزه البصريُّون، وخرَّجه طائفة من البصريِّين على أنَّ الأصل ولكن إنِّي من حُبِّها، ثم نقل حركة همزة " إنِّي " إلى نون " لكن " بعد حذف الهمزة، وأدغم على ما تقدَّم، فلم تدخل اللام إلا في خبر " إنَّ "، هذا على تقدير تسليم صحة الرواية، وإلا فقالوا : إنَّ البيت مصنوعٌ، ولا يعرف له قائلٌ.
والاستدراك من قوله " أكَفرْتَ " كأنَّه قال لأخيه : أنت كافرٌ ؛ لأنَّه استفهام تقرير، لكنَّني أنَّا مؤمنٌ ؛ نحو قولك :" زَيْجٌ غَائبٌ، لكنَّ عمراً حاضرٌ " لأنه قد يتوهَّم غيبةُ عمرو أيضاً.
فصل في المقصود بالشرك في الآية معنى ﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾.
ذكر القفال فيه وجهين : الأول : أنِّي لا أرى الفقر والغنى إلاَّ منه ؛ فأحمده إذا أعطى، وأصبر، إذا ابتلى، ولا أتكبَّر عندما ينعم عليَّ، ولا أرى كثرة [المال]، والأعوان من نفسي، وذلك لأنَّ الكافر، لمَّا [اعتزَّ] بكثرة المال والجاه، فكأنه قد أثبت لله شريكاً في إعطاء العزِّ والغنى.
الثاني : أنَّ هذا الكافر، لمَّا أعجز الله عن البعث والحشر، فقد جعله مساوياً للخلق في هذا العجز، وإذا أثبت المساواة، فقد أثبت الشَّريك.
٤٩١


الصفحة التالية
Icon