التوحيد ؛ فوجب أن يصير مؤمناً، فلم قال بعده :﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ ؟.
فالجواب عن الأوَّل : أنه لمَّا عظمت حسراته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا، وكان معرضاً في عمره كلِّه عن طلب الدِّين، فلما ضاعت الدنيا بالكليَّة، بقي محروماً عن الدنيا والدِّين.
والجواب عن الثاني : أنَّه إنَّما نَدِمَ على الشِّرك ؛ لاعتقاده أنَّه لو كان موحِّداً غير مشركٍ، لبقيت عليه جنَّته، فهو إنَّما رغب في التوحيد والردَّة عن الشِّرك ؛ لأجل [طلب] الدنيا ؛ فلهذا لم يقبل الله توحيده.
قوله :﴿وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ﴾ : قرأ الأخوان [ " يَكُنْ " ] بالياء من تحت، والباقون من فوق، وهما واضحتان ؛ إذ التأنيث مجازيٌّ، وحسن التذكير للفصل.
قوله :" يَنْصُرونَهُ " يجوز أن تكون هذه الجملة خبراً، وهو الظاهر، وأن تكون حالية، والخبر الجار المتقدم، وسوَّغ مجيء الحال من النَّكرة تقدم النفي، ويجوز أن تكون صفة لـ " فئةٍ " إذا جعلنا الخبر الجارَّ.
وقال :" يَنْصُرونَهُ " حملاً على معنى " فِئةٍ " لأنَّهم في قوَّة القوم والنَّاس، ولو حمل على لفظها، لأفرد ؛ كقوله تعالى :﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ [آل عمران : ١٣].
وقرأ ابن أبي عبلة :" تَنْصرُهُ " على اللفظ، قال أبو البقاء :" ولو كان " تَنْصرهُ " لكان على اللفظ ".
قال شهاب الدين : قد قرئ بذلك، كما عرفت.
[قال بعضهم] : ومعنى " يَنْصُرونَهُ " يقدرون على نصرته، ويمنعونه من عذاب الله ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ ممتنعاً متنعماً، أي : لا يقدر على الانتصار لنفسه، وقيل : لا يقدر على ردِّ ما ذهب عنه.
قوله :﴿هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ﴾ : يجوز أن يكون الكلام تمَّ على قوله " مُنْتَصِراً " وهذه جملة منقطعة عمَّا قبلها، وعلى هذا : فيجوز في الكلام أوجه : الأول : أن يكون " هنالك الولايةُ " مقدَّراً بجملة فعلية، فالولاية فاعل بالظرف قبلها، أي : استقرَّت الولاية الله، و " لله " متعلق بالاستقرار، أو بنفس الظرف ؛ لقيامه مقام العامل، أو بنفسِ الولاية، أو يمحذوفٍ على أنه حال من " الوَلاية " وهذا إنما يتأتَّى على
٤٩٦
رأي الأخفش من حيث إنَّ الظرف يرفع الفاعل من غير اعتمادٍ.
والثاني : أن يكون " هُنالِكَ " منصوباً على الظرف متعلقاً بخبر " الولاية " وهو " لله " أو بما تعلق به " لله " أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ منها، والعامل الاستقرارُ في " لله " عند من يجيز تقدم الحال على عاملها المعنوي، أو يتعلق بنفس " الولايةِ ".
والثالث : أن يجعل " هُنالِكَ " هو الخبر، و " لله " فضلةٌ، والعامل فيه ما تقدَّم في الوجه الأول.
ويجوز أن يكون " هُنالِكَ " من تتمَّة ما قبلها، فلم يتمَّ الكلام دونه، وهو معمولٌ لـ " مُنْتَصِراً "، أي : وما كان منتصراً في الدار الآخرة، و " هُنالِكَ " إشارة غليها، وإليه نحا أبو إسحاق.
وعلى هذا فيكون الوقف على " هُنالِكَ " تامًّا، والابتداء بقوله " الوَلايَةُ لله " فتكون جملة من مبتدأ وخبر.
والظاهر في " هُنالِكَ " : أنه على موضوعه من ظرفية المكان، كما تقدَّم، وتقدَّم أنَّ الأخوين يقرآن بالكسر، والفرق بينهما وبين قراءة الباقين بالفتح في سورة الأنفال، فلا معنى لإعادته.
وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحنٌ، قالا : لأنَّ " فعالة " إنما تجيء فيما كان صنعة أو ممعنى متقلَّداً، وليس هنالك تولِّي أمورٍ.
فصل في لغات الولاية ومعانيها قال الزمخشري : الولاية بالفتح : النصر، والتولِّي، وبالكسر : السلطان والملك.
وقيل : بالفتح : الربوبيَّة، وبالكسر : الإمارة.
قوله :" الحَقِّ " قرأ أبو عمرو، والكسائي برفع " الحقُّ " والباقون بجرِّه، فالرفع من ثلاثة أوجه : الأول : أنه صفة للولاية وتصديقه قراءة أبيٍّ " هُنالك الوَلايةُ الحق للهِ ".
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : هو ما أوحيناه إليك.
الثالث : أنه مبتدأ، وخبره مضمر، أي : الحق ذلك، وهو ما قلناه.
والجر على أنه صفة للجلالة الكريمة ؛ كقوله " ثُمَّ ردُّوا إلى الله مَولاهُم الحقِّ ".
٤٩٧


الصفحة التالية
Icon