ساكن الياء، من سارت تسير، و " الجِبَالُ " بالرفع على الفاعلية.
قوله :﴿وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً﴾ " بَارِزَةً " حالٌ ؛ إذ الرؤية بصرية، وقرأ عيسى ﴿وتُرَى الأرضُ﴾ مبنيًّا للمفعول، و " الأرضُ " قائمة مقام الفاعل.
قوله :﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ فيه ثلاثة أوجه : الأول : أنه ماضٍ، يراد به المستقبل، أي : ونحشرهم، وكذلك ﴿وَعُرِضُوا﴾ [الكهف : ٤٨] و ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ [الكهف : ٤٩].
والثاني : أن تكون الواو للحالِ، والجملة في محلِّ النصب، أي : نفعل التسيير في حال حشرهم ؛ ليشاهدوا تلك الأهوال.
والثالث : قال الزمخشري :" فإن قلت : لِمَ جيء بـ " حَشرْنَاهُمْ " ماضياً بعد " نُسيِّرُ " و " ترى " ؟ قلت : للدلالة على أنَّ حشرهم قبل التسيير، وقيل البروز ؛ ليعاينوا تلك الأهوال العظام ؛ كأنَّه قيل : وحَشرنَاهُم قبل ذلكَ ".

فصل قال أبو البقاء، وأبو حيان :" والأولى أن تكون الواو للحال " فذكر نحواً ممَّا قدَّمته.


قوله :" فَلمْ نُغادِرْ " عطل على " حَشَرنَاهُمْ " فإنه ماضٍ معنى، والمغادرة هنا : بمعنى " الغَدْر " وهو الترك، أي : فلم نترك، والمفاعلة هنا ليس فيها مشاركة، وسمي الغدر غدراً ؛ لأنَّ به ترك الوفاءُ، وغدير الماء من ذلك ؛ لأنَّ السيل غادره، أي : تركه، فلم يجئه أو ترك فيه الماء، ويجمع على " غدر " و " غُدرَان " كرغيف ورغفان، واستغدر الغَديرُ : صار فيه الماء، و الغديرة : الشَّعرُ الذي ترك حتى طال، والجمع غدائرُ.
قال امرؤ القيس :[الطويل] ٣٥٣٥ - غَدائِرُهُ مُسْتشْزِرَاتٌ إلى العُلا
........................
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٩٩
وقرأ قتادة " فَلمْ تُغادِرْ " بالتاء من فوقُ، والفاعل ضمير الأرض، أو الغدرة المفهومة من السياق، وأبان :" يُغادَرْ " مبنياً للمفعول، " أحدٌ " بالرفع، والضحاك :" نُغْدِرْ " بضم النون، وسكون العين، وكسر الدال، من " أغْدرَ " بمعنى " غَدرَ ".
٥٠٣
فصل في المراد بالتسيير ليس في الآية ما يدلُّ على أنَّ الأرض إلى أين تسير، فيحتمل أن الله يسيِّرها إلى موضع يريده، ولم يبيِّن ذلك الموضع لخلقه.
والحقُّ أنَّ المراد أنَّه يسيِّرها إلى العدم ؛ لقوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا اا أَمْتاً﴾ [طه : ١٠٥ - ١٠٧] ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾ [الواقعة : ٥، ٦] ﴿وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف : ٤٧]، أي : لم يبق عليها شيء من الجبال، والعمران، والشَّجر " بَارِزةً " ظاهرة ليس عليها ما يسترها ؛ كما قال :﴿فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا اا أَمْتاً﴾ [طه : ١٠٦، ١٠٧].
وقال عطاء :" بَارِزةً " أبرزت ما في بطنها، وقذفت الموتى المقبورين فيها، أي بارزة البطن والجوف، فحذف ذكر الجوف، ودليله قوله تعالى :﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الإنشقاق : ٤] ﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة : ٢] وقال :﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً﴾ [إبراهيم : ٢١].
﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ أي : وحشرناهم أي : وجمعناهم للحساب، فلم نترك من الأوَّلين والآخرين أحداً، إلاَّ وجمعناهم لذلك اليوم.
قوله :﴿وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً﴾.
﴿صَفًّا﴾ : حال من مرفوع " عرضوا " وأصله المصدرية، يقال منه : صفَّ يصفُّ صفًّا، ثم يطلق على الجماعة المصطفِّين، واختلف هنا في " صفًّا " : هل هو مفرد وقع موقع الجمع ؛ إذ المراد صفوفاً ؛ ويدل عليه الحديث الصحيح :" يجمعُ الله الأوَّلين والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ صفوفاً " وفي حديث آخر :" اهلُ الجنَّة مائةٌ وعشرون صفًّا، أنتم منها ثمانون ".
ويؤيده قوله تعالى :﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر : ٦٧] أي أطفالاً.
وقيل : ثَمَّ حذف، أي : صفًّا صفًّا، ونظيره قوله في موضع :﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ [الفجر : ٢٢].
وقال في آخر :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً﴾ [النبأ : ٣٨] يريد : صفًّا صفًّا ؛ بدليل الآية الأخرى، فكذلك هنا، وقيل : بل كل الخلائق تكون صفًّا [واحداً]، وهو أبلغ في القدرة، وأمَّا الحديثان فيحملان على اختلاف أحوالٍ ؛ لأنه يوم طويل، كما شهد له بقوله ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج : ٤] فتارة يكونون فيه صفًّا واحداً، وتارة صفوفاً.
وقيل : صفًّا أي : قياماً ؛ لقوله تعالى :﴿فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ﴾ [الحج : ٣٦] أي
٥٠٤


الصفحة التالية
Icon