قال - عليه الصلاة والسلام - :" إيَّاكُم ومحقِّرات الذنوب ؛ فإنَّما مثلُ محقِّرات الذنوب ؛ فإنَّما مثلُ محقِّراتِ الذُّنوب مثل قوم نزلوا ببطنِ وادٍ، فجاء هذا بعودٍ، وجاء هذا بعودٍ، وجاء هذا بعودٍ، حتَّى أنضجوا خبزتهم، وإنَّ محقِّراتِ الذنوب لموبقاتٌ ".
﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً﴾ مكتوباً في الصَّحيفة.
﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ لا ينقص ثواب أحدٍ عمل خيراً.
وقال الضحاك : لم يؤاخذ أحداً بجرم لم يعمله.
فصل في الرد على المجبرة قال الجبائي : هذه الآية تدلُّ على فساد قول المجبرة في مسائل : أحدها : أنه لو عذَّب عباده من غير ذنب صدر منهم، لكان ظالماً.
وثانيها : أنه لا يعذِّب الأطفال بغير ذنب.
وثالثها : بطلان قولهم : لله أن يفعل ما شاء، ويعذِّب من غير جرم ؛ لأنَّ الخلق خلقه، إذ لو كان كذلك، لما كان لنفي الظلم عنه معنى ؛ لأنَّ بتقدير أنه إذا فعل أي شيءٍ، لم يكن ظلماً منه ؛ لم يكن لقوله :" إنَّه لا يظلمُ " فائدة.
فإن قيل : أيُّ فائدة في ذلك ؟.
فالجواب عن الأوَّل بمعارضة العلم والدَّاعي.
وعن الثاني : أنَّه تعالى، قال :﴿مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ [مريم : ٣٥] ولم يدلَّ هذا على أنَّ اتخاذ الولد يصحُّ عليه، فكذلك ها هنا.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٩٩
قوله :﴿وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلا اائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾ الآية.
اعلم أنَّ المقصود في الآياتِ المتقدِّمة الردُّ على الذين افتخروا بأموالهم، وأعوانهم
٥٠٧
على فقراء المسلمين، وهذه الآية المقصود من ذكرها عين هذا المعنى ؛ وذلك : أنَّ إبليس، إنما تكبَّر على آدم ؛ لأنَّه افتخر بأصله ونسبه، فقال :﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف : ١٣] فأنا أشرف منه أصلاً ونسباً، فكيف أسجد له، وكيف أتواضع له ؟ وهؤلاء المشركون عاملوا فقراء المؤمنين بهذه المعاملة، فقالوا : كيف نجالسُ هؤلاء الفقراء، مع أنَّا من أنساب شريفة، وهم من أنساب نازلة، ونحن أغنياء، وهم فقراء ؟ فذكر الله هذه القصة ؛ تنبيهاً على أنَّ هذه الطريقة بعينها طريقة إبليس، ثم إنه تعالى حذَّر عنها، وعن الاقتضاء بها في قوله :﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ﴾، وهذا وجه النظم.
قوله :﴿وَإِذَا قُلْنَا﴾ : أي : اذكر.
قوله :﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه استئناف يفيد التعليل ؛ جواباً لسؤال مقدَّر.
والثاني : أن الجملة حالية، و " قَدْ " معها مرادة، قاله أبو البقاء.
قوله :" فَفسَقَ " السببية في الفاء ظاهرة، تسبَّب عن كونه من الجنِّ الفسقُ، قال أبو البقاء : إنما أدخل الفاء هنا ؛ لأنَّ المعنى :" إلاَّ إبليس امتنع ففسق ".
قال شهاب الدين.
إن عنى أنَّ قوله " كان من الجنِّ " وضع موضع قوله " امْتنعَ " فيحتمل مع بُعده، وإن عنى أنه حذف فعلٌ عطف عليه هذا، فليس بصحيحٍ ؛ للاتغناء عنه.
قوله :" عَنْ أمْر " " عَنْ " على بابها من المجاوزة، وهذ متعلقة بـ " فَسقَ "، أي : خرج مجاوزاً أمر ربِّه، وقيل : هي بمعنى الباء، أي : بسبب أمره ؛ فإنه فعَّالٌ لما يريدُ.
قوله :" وذُرِّيتهُ " يجوز في الواو أن تكون عاطفة، وهو الظاهر، وأن تكون بمعنى " مع " و " مِنْ دُونِي " يجوز تعلقه بالاتِّخاذ، وبمحذوف على أنَّه صفة لأولياء.
قوله :﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ جملة حالية من مفعول الاتخاذ أو فاعله، لأن فيها مصححاً لكلٍّ من الوجهين، وهو الرابط.
قوله :" بِئْسَ " فاعلها مضمرٌ مفسَّر بتمييزه، والمخصوص بالذمِّ محذوف، تقديره : بِئْسَ البدل إبليس وذرِّيتهُ.
وقوله " للظَّالمينَ " متعلق بمحذوفٍ حالاً من " بَدلاً " وقيل : متعلق بفعل الذمِّ.
فصل في الخلاف في أصل إبليس اعلم أنه تعالى بيَّن في هذه الآية أنَّ إبليس كان من الجنِّ، وللنَّاس في الآية أقوالٌ : الأول : قال ابن عبَّاس : كان من حيٍّ من الملائكةِ، يقال لهم الحنُّ، خلقوا من
٥٠٨


الصفحة التالية
Icon