جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٤
أي : ما ينجو، وقال ابن قتيبة :" المَوْئِلُ : الملجأ ".
يقال : وأل فلانٌ إلى فلانٍ يئلُ وألاً، وَوُءُولاً، إذا لجأ إليه، وهو هنا مصدر.
و " مِنء دُونهِ " متعلق بالوجدان ؛ لنه متعدٍّ لواحدٍ، أو بمحذوف على أنه حال من " مَوْئِلاً ".
وقرأ أبو جعفر " مَوِلاً " بواو مكسورة فقط، والزهري : بواو مشددة فقط، والأولى أقيس تخفيفاً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٤
قوله :﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ أي قرى الأوَّلين : قوم نوح وعاد وغيرهم، وتلك مبتدأ، والقرى خبره.
و " أهْلكْنَاهُمْ " حينئذ : إمَّا خبر ثانٍ، أو حال، ويجوز أن تكون " تِلْكَ " مبتدأ، و " القرى " صفتها لأنَّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجنس أو بيان لها، أو بدلٌ منها، و " أهْلَكنَاهَا " الخبر، ويجوز أن يكون " تِلْكَ " منصوب المحلِّ بفعلٍ مقدَّر على الاشتغال.
والإضمار في " أهْلَكنَاهُمْ " عائد على " أهْل " المضاف إلى القرى، إذ التقدير : وأهل تلك القرى، فراعى المحذوف، فأعاد عليه الضمير، وتقدَّم ذلك في أول الأعراف [الآية : ٤].
و " لمَّا ظلموا " يجوز أن يكون حرفاً، وأن يكون ظرفاً، وقد تقدَّم.
قوله :" وجعلنا لمهلكهم موعداً " قرأ عاصم " مَهْلَك " بفتح الميم، والباقون بضمها، وحفص بكسر اللام، والباقون بفتحها، فتحصَّل من ذلك ثلاث قراءاتٍ، لعاصم قراءتان ؛ فتح الميم مع فتح اللام، وهي رواية أبي بكرٍ عنه، والثانية فتح الميم، مع كسر اللام، وهي رواية حفص عنه، والثالثة : ضم الميم، وفتح اللام، وهي قراءة الباقين.
وأمَّا قراءة أبي بكرٍ، فـ " مَهْلَك " فيها مصدرٌ مضاف لفاعله، وجوَّز أبو عليٍّ أن
٥١٨
يكون مضافاً لمفعوله، وقال : إنَّ " هَلَكَ " يتعدَّى دون همز، وأنشد :[الرجز]
٢٥٤٢ - ومَهْمَهٍ هَالكِ مَنْ تعرَّجا
فـ " مَنْ " معمول لـ " هالكٍ " وقد منع النَّاسُ ذلك، وقالوا : لا دليلَ في البيت ؛ لجواز أن يكون ذلك من باب الصفةِ المشبهة، والأصل : هالك من تعرَّجا.
فـ " مَنْ تعرَّج " فاعل الهالك، ثم أضمر في " هَالِك " ضمير " مهمه " ونصب " من تعرَّج " نصب " الوجه " في قولك :" مررتُ برجلٍ حسنٍ الوجهَ " ثم أضاف الصفة، وهي " هَالِك " إلى معمولها، فالإضافة من نصبٍ، والنصب من رفعٍ، فهو كقولك :" زيدٌ منطلقُ اللسان، ومنبسطُ الكفِّ " ولولا تقدير النصبِ، لامتنعتِ الإضافة ؛ إذ اسم الفاعل لا يضاف إلى مرفوعه، وقد يقال : لا حاجة إلى تقدير النصب ؛ إذ هذا جارٍ مجرى الصفة المشبهة، والصفة المشبهة تضاف إلى مرفوعها، إلا أنَّ هذا مبنيٌّ على خلافٍ آخر، وهو : هل يفع الموصول في باب الصفة أم لا ؟ والصحيح جوازه، قال الشاعر :[البسيط] ٣٥٤٣ - فَعُجْتُهَا قِبلَ الأخْيار مَنْزلةً
والطَّيبِي كُلِّ ما التَاثَتْ به الأزُرُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٨
وقال الهذليُّ :[الطويل] ٣٥٤٤ - أسِيلاتُ أبْدانٍ دِقَاقٌ خُصورُهَا
وثِيرَاتُ ما التفَّت عليها المَلاحِفُ
وقال أبو حيَّان في قراءة أبي بكرٍ هذه :" إنَّه زمانٌ " ولم يذكر غيره، وجوَّز غيره فيه الزمان و المصدر، وهو عجيبٌ ؛ فإنَّ الفعل متى كسرت عينُ مضارعه، فتحت في المفعل مراداً به المصدر، وكسرت فيه مراداً به الزمان والمكان، وكأنَّه اشتبهت عليه بقراءة حفص ؛ فإنَّه بكسر اللام، كما تقدَّم، فالمفعل منه للزَّمان والمكان.
وجوَّز أبو البقاء في قراءته أن يكون المفعل فيها مصدراً، قال :" وشذَّ فيه الكسر كالمرجع " وإذا قلنا : إنَّه مصدر، فهل هو مضافٌ لفاعله، أو مفعوله ؟ يجيء ما تقدَّم في قراءة رفيقه، وتخريجُ ابي عليٍّ، واستشهاده بالبيت، والردُّ عليه، كل ذلك عائد هنا.
وأمَّا قراءة الباقين، فواضحةٌ، و " مُهْلكٌ " فيها يجوز أن يكون مصدراً مضافاً لمفعوله أي لإهلاكهم، وأن يكون زماناً، ويبعد أن يراد به المفعول، أي : وجعلنا للشخصِ، أو للفريقِ المهلكِ منهم.
٥١٩


الصفحة التالية
Icon