وقيل : بل هو حقيقة، لأنه من الاغتلام وهو الشَّبق، وذلك إنما يكون في الشاب المحتلمِ، والذي يظهرُ أنه حقيقةٌ فيهما عند الاطلاق، فإذا أريد أحدهما، قيد كقوله :" لغُلامَيْنِ يَتيمينِ " وقد تقدَّم ترتيب أسماءِ الآدميِّ من لدن هو جنينٌ إلى أن يصير شيخاً، ولله الحمد، في آل عمران.
قال الزمخشري :" فإن قلت : لم قال :" حتى إذا ركبا في السفينة خرقها " بغير فاءٍ، و " حتَّى إذا لقيا غلاماً، فقتله " بالفاء ؟ قلت : جعل " خَرقهَا " جزاء للشرط، وجعل " قتلهُ " من جملة الشرط معطوفاً عليه، والجزاء " قال : أقتلت " فإن قلت : لم خولف بينهما ؟ قلت : لأنَّ الخرق لم يتعقَّب الركوب، وقد تعقَّب القتل لقاء الغلام ".
قوله : بغَيْرِ نفسٍ " فيه ثلاثة أوجه : الأول : أنها متعلقة بـ " قَتلْتَ ".
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف، على أنها حال من الفاعل، أو من المفعول، أي : قتلته ظالماً، أو مظلوماً، كذا قدَّره أبو البقاء، وهو بعيد جدًّا.
الثالث : أنها صفة لمصدر محذوف، أي : قتلاً بغير نفسٍ.
قوله :" نُكْراً " قرأ نافع، وأبو بكر، وابن ذكوان بضمَّتين، والباقون بضمة وسكون، وهما لغتان، أو أحدهما أصلٌ، و " شَيْئاً " : يجوز أن يراد به المصدر، أي : مجيئاً نكراً، وأن يراد به المفعول به، أي : جئت أمراً منكراً، وهل النكر أبلغ من الإمر، أو بالعكس ؟ فقيل : الإمرُ أبلغُ ؛ لأنَّ قتل أنفسٍ بسبب الخرقِ اعظم من قتل نفسٍ واحدة وأيضاً : فالإمر هو الداهية العظيمة فهو أبلغ من النكر، وقيل : النُّكر أبلغ، لأن معه القتل الحتم، بخلاف خرق السفينة، فإنه يمكن تداركه ؛ ولذلك قال :" ألَمْ أقُلْ لَكَ " ولم يأتِ بـ " لَكَ " مع " إمْراً " ؛ لأن هذه اللفظة تؤكِّد التَّوبيخ.
وقيل : زاد ذلك، لأنَّه نقض العهد مرَّتين، فقال الخضرُ لموسى - عليهما السلام - :﴿ألَمْ أقُل لكَ إنَّكَ لنْ تَسْتطيعَ معي صَبْراً﴾ فعند ذلك قال موسى :﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي﴾ وهذا كلام نادمٍ.
قوله :" فَلاَ تُصَاحِبْنِي " : العامة على " تُصاحِبُني " من المفاعلة، وعيسى ويعقوب :" فلا تَصْحبنِّ] " من صحبه يصحبه.
٥٣٨
وأبو عمرو في رواية، وأبيٌّ بضمِّ التاءِ من فوق، وكسر الحاء، من أصحب يصحب، ومفعوله محذوف، تقديره : فلا تصحبني نفسك، وقرأ أبيٌّ " فلا تصحبني علمك " فأظهر المفعول.
قوله :" مِنْ لدُنِّي " العامة على ضمِّ الدال، وتشديد النون، وذلك أنَّهم أدخلوا نون الزيادة أعني الوقاية على " لَدُن " لتقيها من الكسر ؛ محافظة على سكونها، حوفظ على سكون نون " مِنْ " و " عَنْ " فألحقت بهما نون الوقايةِ، فيقولون : منِّي وعنِّي بالتشديد.
ونافع بتخفيف النون، والوجه فيه : أنَّه لم يلحقُ نون الوقاية لـ " لَدُن " إلا أن سيبويه منع من ذلك وقال :" لا يجوز أن تأتي بـ " لَدُنْ " مع ياء المتكلم، دون نون وقاية " وهذه القراءة حجة عليه، فإن قيل : لم لا يقال : إن هذه النون نون الوقاية، وإنَّما اتصلت بـ " لَدُ " لغة في " لَدُنْ " حتى يتوافق قول سيبويه، مع هذه القراءة ؟ قيل : لا يصحُّ ذلك من وجهين : أحدهما : أنَّ نون الوقاية، إنما جيء بها ؛ لتقيَ الكلمة الكسر ؛ محافظة على سكونها، ودون النون لا سكون ؛ لأنَّ الدال مضمومة، فلا حاجة إلى النُّون.
الثاني : أن سيبويه يمنع أن يقال :" لَدُنِي " بالتخفيف.
وقد حذفت النون من " عَنْ " و " مِنْ " في قوله :[الرمل] ٣٥٥١ - أيُّهَا السَّائلُ عنهم وعنِي
لستُ من قَيْسٍ ولا قَيْسُ مني
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٨
وقرأ أبو بكر بسكون الدَّال، وتخفيف النون، لكنَّه ألزم الدال الضمة منبهة على الأصل.
ولكن تحتمل هذه القراءة أن تكون النون فيها أصليَّة، وأن تكون للوقاية على أنها دخلت على " لد " الساكنة الدال، لغة في " لدُنْ " فالتقى ساكنان، فكسرت نون الوقاية على أصلها، وإذا قلنا بأنَّ النون أصلية، فالسكون تخفيف ؛ كتسكين ضاد " عضدٍ " وبابه واختلف القراء في هذا الإشمام، فقائل : هو إشارة بالعضو من غير صوتٍ، كالإشمام الذي في الوقف، وهذا هو المعروف، وقائل : هو إشارة للحركة المدركة بالحسِّ، فهو
٥٣٩


الصفحة التالية
Icon