قوله " مِنْهُ ذِكْراً " أي : من أخباره وقصصه.
قوله :" إنَّا مكَّنا له ".
ومعنى " مكنَّا لهُ " : أوطأنا، والتمكينُ : تمهيد الأسباب قال عليٌّ : سخَّر له السَّحاب، فحمله عليه، ومدَّ له في الأسباب، وبسط له في النُّورِ، وكان اللَّيلُ والنهار عليه سواء، فهذا معنى تمكنيه في الأرض ؛ وأنه سهَّل عليه السير فيها، وذلل له طريقها.
وهذا التَّمكينُ بسبب النبوة، ويحتمل أن يكون المراد التمكين بسبب الملكِ من حيث إنه ملك مشارق العالم ومغاربه، والأول أولى ؛ لأنَّ التمكينَ بسبب النبوّة أعلى من التمكين بسبب الملك، وحمل كلام الله تعالى على الوجه الأكمل الأفضل أولى، ثم قال :﴿وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ قالوا : السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المقصود، وهو يتناول العلم والقدرة والآلة، فلذلك قيل :" وآتيناه من كل شيء " ما يستعين به الملوك على فتح المدن، ومحاربة الأعداء " سبباً " أي : علماً يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض، وقيل : قرَّبنا له أقطار الأرض.
واستدلوا بعموم قوله :﴿وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ على أنه كان نبيًّا كما تقدَّم، ومن أنكر نبوته قال : المعنى : وآتيناه من كلِّ شيءٍ يحتاجُ إلى إصلاح ملكه إلاَّ أن تخصيص العموم خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلاَّ بدليلٍ.
قوله :﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾.
قرأ نافع، وابن كثيرٍ، وأبو عمرو " فَاتَّبعَ " و " ثمَّ اتَّبعَ " في الموضعين بهمزة وصل، وتشديد التاء.
والباقون بهمزة القطع في المواضع الثلاثة وسكون التاء.
فقيل : هما بمعنى واحدٍ فيتعدَّيان لمفعولٍ واحدٍ.
وقيل :" أتْبَعَ " بالقطع متعدٍّ لاثنين حذف أحدهما تقديره : فأتْبع سبباً سبباً آخر، أو فأتبع أمره سبباً آخر، ومنه ﴿وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [القصص : ٤٢] فعدَّاه لاثنين ومن حذف أحد المفعولين : قوله تعالى :﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾ [الشعراء : ٦٠]، أي : أتبعوهم جنودهم.
و اختار أبو عبيد " اتَّبعَ " بالوصل، قال :" لأنَّه من المسيرِ " قال : تقول : تبعتُ القوم واتَّبعتُهم.
فأمَّا الإتباعُ بالقطع فمعناه اللحاقُ، كقوله تعالى :﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات : ١٠].
وقال يونس، وأبو زيدٍ :" أتْبعَ " بالقطع عبارة عن المجدِّ المسرعِ الحثيثِ الطلب.
وبالوصلِ إنَّما يتضمَّن الاقتفاء دون هذه الصفات.
قال البغويُّ : والصحيح الفرق بينهما، فمن قطع الألف، فمعناه : أدرك ولحق، ومن قرأ بالتشديد فمعناه : سار، يقال : ما زلتُ أتَّبعه حتى اتبعته، أي : ما زلتُ أسير خلفهُ حتى لحقته، ومعنى الآية : أنه تعالى لمَّا أعطاهُ من كل شيءٍ سببه، فإذا أراد سبباً أتبع سبباً يوصله إليه ﴿حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة﴾.
٥٥٦


الصفحة التالية
Icon