أحدهما : أن المبتدأ محذوف، وهو العامل في " جزاءَ الحُسْنى " التقدير : فله الجزاء جزاء الحسنى.
والثاني : أنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين ؛ كقوله :[المتقارب] ٣٥٦٥ -.................
ولا ذَاكِرَ الله إلاَّ قَلِيلا
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٥٣
ذكره المهدويُّ.
والقراءة الثانية رفعه فيها على الابتداء، والخبر الجار قبله، و " الحُسْنَى " مضاف إليها، والمراد بالحسنى الجنَّة، وقيل : الفعلة الحسنى.
وقرأ عبد الله، وابن أبي إسحاق " جزاءٌ " مرفوعاً منوناً على الابتداء، و " الحُسْنَى " بدلٌ، أو بيان، أو منصوبة بإضمار " أعْنِي " أو خبر مبتدأ مضمرٍ.
و " يُسْراً " نعت مصدر محذوف، أي : قولاً ذا يسرٍ، وقرأ أبو جعفر بضم السين في اليُسُر حيث ورد.
فصل في اختلاف معنى الآية باختلاف القراءة قال المفسرون : المعنى على قراءة النصب : فله الحسنى جزاء ؛ كما يقال : لك هذا الثوب هبةً.
وعلى قراءة الرفع، فيه وجهان : أحدهما : فله الجزاءُ الحسنى، والفعلةُ الحسنى : هي الإيمانُ، والعمل الصَّالح.
والثاني : فلهُ جزاء المثوبة الحسنى، وإضافة الموصوف إلى الصِّفة مشهورةٌ ؛ كقوله :﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ﴾ [يوسف : ١٠٩].
و ﴿حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة : ٩٥].
وقوله :﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً﴾ الآية، أي : لا نأمرهُ بالصَّعب الشَّاق، ولكن بالسَّهل الميسَّر من الزَّكاة، والخراج وغيرهما، وتقديره : ذا يسر ؛ كقوله :﴿قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ [الإسراء : ٢٨].
قوله :﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾.
أي : سلك طرقاً ومنازل ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ﴾ أي : موضع طلوعها ﴿وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً﴾.
قال الحسنُ وقتادة : لم يكن بينهم وبين الشمس ستراً، وليس هناك شجرٌ، ولا
٥٥٩
جبلٌ، ولا أبنيةٌ، تمنع [طلوع] الشمس عليهم ؛ لأنَّهم كانوا في مكان لا يستقرُّ عليهم بناءٌ، وكانوا يكونون في أسراب لهم، حتَّى إذا زالت الشمس عنهم، خرجوا إلى معايشهم وحروثهم.
وقال الحسن : كانوا إذا طلعت الشمس، يدخلون الماء، فإذا ارتفعت عنهم، خرجوا فرعوا ؛ كأنَّهم بهائمُ.
قال الكلبيُّ : هم قومٌ عراةٌ ؛ كسائر الحيوان، يفترشُ أحدهم أذنيه ؛ أحدهما تحته، ويلتحفُ بالأخرى.
فصل فيما يروى عن السد ذكروا في بعض كتب التفسير : أن بعضهم، قال : سافرت، حتَّى جاوزت الصِّين، فسألت عن هؤلاء القوم، فقيل : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلةٍ، فبلغتهم، فإذا أحدهم يفترش إحدى أذنبه، ويلبس الأخرى، فلما قرب طلوع الشمس، سمعت صوتاً كهيئة الصَّلصلة، فغُشي عليَّ، ثم أفقتُ، فلمَّا طلعت الشمس ؛ إذ هي فوق الماءِ ؛ كهيئة الزيت، فأدخلونا سرباً لهم، فلما ارتفع النَّهار، جعلوا يصطادون السَّمك فيطرحونه في الشمس ؛ فينضج.
قوله :﴿مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾.
العامَّة على كسر اللام من " مَطْلِع " والمضارعُ " يَطلُع " بالضم، فكان القياس فتح اللام في المفعل مطلقاً، ولكنَّها مع أخواتٍ لها سمع فيها الكسر، وقياسها الفتح، وقد قرأ به الحسن، وعيسى، وابن محيصن، ورويت عن ابن كثيرٍ، وأهل مكة، قال الكسائي :" هذه اللغة قد ماتت " يعني : أي : بكسر اللام من المضارع، والمفعل، وهذا يشعرُ أنَّ من العرب من كان يقول : طَلَع يَطلِعُ، بالكسر في المضارع.
قوله :﴿كَذَلِكَ﴾ : الكاف : إمَّا مرفوعة المحلِّ، أي : الأمر كذلك، أو منصوبته، أي : فعلنا مثل ذلك.
ومعنى الكلام : كذلك فعل ذو القرنينِ، أتبع هذه الأسباب، حتى بلغ، وقد علمنا حين ملَّكناه ما عنده من الصلاحية لذلك الملك.
وقيل : كذلك جعل الله أمر هؤلاء القوم على ما قد أعلم رسول الله - عليه السلام - في هذا الذِّكر.
وقيل : كذلك كانت حاأهل المطلع ؛ كما كانت حاله مع أهل المغرب، قضى
٥٦٠


الصفحة التالية
Icon