قوله :﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ الآية.
قيل : هذا عند فتح السَّد، وتركنا يأجوج ومأجوج يموجُ بعضهم في بعضٍ، أي : يزدحمون كموج الماء، ويختلط بعضهم في بعضٍ ؛ لكثرتهم.
وقيل : هذا عند قيام السَّاعة يدخل الخلق بعضهم في بعض، ويختلط إنسيُّهم بِجنِّيِّهِمْ حَيَارَى.
قوله :" يَوْمئِذٍ " التنوين عوضٌ من جملةٍ محذوفة، تقديرها : يوم إذ جاء وعدُ ربِّي، أو إذ حجز السدُّ بينهم.
قوله :﴿يَمُوجُ﴾ : مفعول ثانٍ لـ " تَركْنَا " والضمير في " بَعْضهُمْ " يعود على " يَأجُوج ومأجُوج " أو على سائر الخلق.
قوله :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾.
لأن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب السَّاعة، وتقدَّم الكلام في الصور، ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً﴾ في صعيدٍ واحدٍ.
" وعَرضْنَا " : أبْرَزْنَا.
﴿جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً﴾ حتَّى يشاهدوها عياناً.
قوله :﴿الَّذِينَ كَانَتْ﴾ : يجوز أن يكون مجروراً بدلاً من " لِلْكافِرينَ " أو بياناً، أو نعتاً، وأن يكون منصوباً بإضمار " أذمُّ " وأن يكون مرفوعاً خبر ابتداءٍ مضمرٍ.
ومعنى ﴿كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ﴾ : أي :[غشاءٍ، والغطاء : ما يغطِّي الشيء ويسترهُ ﴿عَن ذِكْرِي﴾ : عن الإيمان والقرآن، والمراد منه : شدَّة انصرافهم عن قَبُول الحقِّ، وعن الهدى والبيان، وقيل : عن رؤية الدلائل :﴿وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾.
أي : سمع الصَّوت، أي : القبول والإيمان ؛ لغلبةِ الشَّقاء عليهم.
وقيل : لا يعقلون، وهذا قوله :﴿فَعَمُواْ وَصَمُّواْ﴾ [المائدة : ٧١].
أما العمى، فهو قوله :﴿كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي﴾ وأما الصّمم فقوله :﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾.
أي : لا يقدرون [أن يَسْمَعُوا] من رسول الله ﷺ ما يتلوه عليهم ؛ لشدَّة عداوتهم له.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٥٣
قوله تعالى :﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ﴾ الآية.
لما بيَّن إعراض الكافرين عن الذِّكر، وعن سماع ما جاء به رسول الله ﷺ أتبعه بقوله :﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ﴾
٥٧٠
والمعنى : أفظنَّ الذين كفروا أن ينتفعوا بما عبدوه.
والمراد بقوله :﴿أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ﴾ : أرباباً، يريد بالعباد : عيسى، والملائكة.
وقيل : هم الشياطين يتولَّونهم ويطيعُونَهُم.
وقيل : هم الأصنام، سمَّاها عباداً ؛ كقوله :﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف : ١٩٤].
وهو استفهام توبيخ.
قوله :﴿أَفَحَسِبَ﴾ : العامة على كسر السين، وفتح الباء ؛ فعلاً ماضياً، و ﴿أَن يَتَّخِذُواْ﴾ سادٌّ مسدَّ المفعولين، وقرأ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب، وزيد بن عليٍّ، وابن كثيرٍ، ويحيى بن يعمر في آخرين، بسكون السين، ورفع الباء على الابتداء، والخبر " أنْ " وما في حيِّزها.
والمعنى : أفكافيهم، وحسيبهم أن يتَّخذوا كذا وكذا.
وقال الزمخشريُّ :" أو على الفعل والفاعل ؛ لأن اسم الفاعل، إذا اعتمد على الهمزة، ساوى الفعل في العمل ؛ كقولك :" أقَائمٌ الزَّيدانِ " وهي قراءة محكيَّةٌ جيِّدةُ ".
قال أبو حيَّان :" والذي يظهر أنَّ هذا الإعراب لا يجوزُ ؛ لأنَّ حسباً ليس باسم فاعلٍ، فيعمل، ولا يلزم من تفسير شيءٍ بشيء : أن يجرى عليه أحكامه، وقد ذكر سيبويه اشياء من الصِّفات التي تجري مجرى الأسماء، وأنَّ الوجه فيها الرفع، ثم قال : وذلك نحو : مرَرْتُ برجلٍ خير منه أبوهُ، ومررتُ برجلٍ سواءٍ عليه الخير والشر، ومررت برجلٍ اب لهُ صاحبه، ومررتُ برجلٍ حسبك من رجلٍ هو، ومررتُ برجلٍ أيِّما رجلٍ هو ".
ثم قال ابو حيان :" ولا يبعُد أن يرفع به الظاهر، فقد أجازوا في " مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه " أن يرتفع " أبوهُ " بـ " أبِي عشرةٍ " لأنه في معنى والدِ عشرةٍ ".
قوله :" نُزُلاً " فيه أوجهٌ : أحدها : أنه منصوب على الحال، جمع " نَازِلٍ " نحو شارفٍ، وشُرفٍ.
الثاني : أنه اسم موضع النُّزولِ.
قال ابن عباس :" مَثوَاهُمْ " وهو قول الزجاج.
الثالث : أنَّه اسمُ ما يعدُّ للنازلين من الضُّيوف، أي : معدة لهم ؛ كالمنزلِ للضَّيف، ويكون على سبيل التهكُّم بهم، كقوله تعالى :﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران : ٢١] وقوله :[الوافر]
٥٧١
٣٥٦٨ -..............
تَحيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٧٠


الصفحة التالية
Icon