والعَجْز، وأنَّ اليهود قتلُوه، فلو كان قادراً على خَلْق الأجسام، لما قَدَرُوا على قَتْله، بل كان هو يقْتُلُهم ويَخْلَقُ لنفسه عَسْكَراً يذُبُّون عنه.
فإن قيل : قالُوا : معنى كونه إلهاً أنَّه اتَّخذه ابناً لنفسه ؛ على سبيل التشريف، وهو قد قال به قومٌ من النصارى، يقال لهم الآريوسية، وليس فيه كثير خطأ إلاَّ في اللفظ.
قوله تعالى :﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾ قيل : معناه : سيُؤتيني الكتاب، ويجعلني نبيًّا.
روى عكرمةُ عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - " أنَّ هذا إخبارٌ عمَّا كتبَ له في اللَِّوْح المحفُوظ ؛ كما قيل للنبيِّ ﷺ : متى كُنْتَ نبيًّا ؟ قال :" كُنْتُ نبيًّا، وآدمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجسدِ " وعن الحسن - رضي الله عنه - أنَّه ألهمَ التوراة، وهو في بطن أمِّه.
وقال الأكثرون : إنه أوتيَ الإنجيل، وهو صغيرٌ طفلٌ، وكان يعقلُ عقل الرِّجال.
فمن قال : الكتابُ : هو التَّوراة، قال : لأنَّ الألف واللاَّم للعهد، ولا معهود حينئذٍ إلاَّ التوراة، ومن قال : الإنجيلُ، قال " الألفُ واللاَّم للاستغراق، وظاهرُ كلام عيسى - صلوات الله عليه - أنَّ الله تعالى آتاه الكتاب، وجعله نبيًّا، وأمره بالصَّلاة والزَّكاة، وأن يدعو إلى الله تعالى، وإلى دينه، وشريعته من قبل أن يكلِّمهم، وأنه تكلَّم مع أمَّه وأخبرها بحاله، وأخبرها بأنَّه يكلِّمهم بما يدلُّ على براءتها، فلهذا أشارتْ إليه بالكلامِ.
قال بعضهم : أخبر أنَّه نبيٌّ، ولكَّنه ما كان رسولاً ؛ لأنَّه في ذلك الوقت ما جاء بالشَّريعة، ومعنى كونه نبيَّا : رفيعُ القدر عالي الدرجة ؛ وهذا ضعيف لأنَّ النَّبيَّ في عرف الشَّرع هو الذي خصَّه الله بالنبوَّة وبالرِّسالة، خصوصاً إذا قرن إليه ذكر الشَّرع، وهو قوله :﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ﴾ ثم قال :﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ﴾.
وقال مجاهدٌ - رضي الله عنه - معلِّماً للخَيْر.
وقال عطاءٌ : أدعُو إلى الله، وإلى توحيده وعبادته.
وقيل : مُباركاً على من اتَّبعني.
روى قتادةُ أنَّ امرأةً رأتهُ، وهو يحيى الموتى، ويُبْرِئ الأكمه والأبرص، فقالت : طُوبَى لبطن حملك، وثدي أرضعت به، فقال عيسى مجيباً لها : طُوبَى لمن تلا كتابَ اللهِ واتبعَ ما فِيهِ، وعملَ بِهِ، ولمْ يَكُنْ جبَّاراً شَقِيَّاً.
قوله تعالى :﴿أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ يدلُّ على أن حاله لم يتغيَّر كما قيل : إنَّه عاد إلى حالِ الصِّغَر، وزوالِ التَّكْلِيف.
٥٨