وقُضاة، ولم يسمع فيه هذا الأصلُ، وقد تقدَّم أنَّ الأخوين يكسران فاءهُ على الإتباع.
والثاني : أنه مصدرٌ على فعولٍ ؛ نحو : جلس جُلُوساً، وقَعَد قُعُوداً ؛ والصلُ فيه على كلا القولين " بكُويٌ " بواو وياء، فأعلَّ الإعلال المشهور في مثله، وقال ابن عطيَّة :" وبكيًّا بكسر الباء، وهون مصدرٌ لا يحتمل غير ذلك " قال أبو حيَّان :" وليس بسديدٍ، بل الإتباعُ جائزٌ فيه " وهو جمعٌ ؛ كقولهم : عُصِيٌّ ودُلِيٌّ، جمع عصا ودلو، وعلى هذا ؛ فيكون " بكيًّا " : إمَّا مصدراً مؤكِّداً لفعل محذوفٍ، أي : وبكَوا بُكِيًّا، أي : بكاء، وإمَّا مصدراً واقعاً موقع الحال، أي باكينَ، أو ذوي بكاء، أو جعلُوا نفس البكاءِ مبالغةً.
قال الزجاج :" بُكِيًّا " جمع باكٍ ؛ مثل شاهدٍ وشُهوجٍ، وقاعدٍ وقُعُودٍ، ثمَّ قال : الإنسانُ في حال خُرُوره لا يكن ساجداً، والمرادُ : خرُّوا مقدِّمين للسُّجُودِ، ومن قال في " بُكِيًّا " : إنَّه مصدرٌ، فقد أخطأ ؛ لأنَّ سُجَّداً جمع ساجدٍ، وبكياً معطوف عليه.
فصل قال المفسِّرون : إنَّ الأنبياء - عليهم السلام - كانُوا إذا سمعُوا آيات الله ؛ والمرادُ : الآياتُ التي تتضمنُ الوعد والوعيد، والتَّرغيبَ والتَّرهيب خروا سُجداً جمع ساجدٍ، وبكيًّا : جمع باكٍ خشُوعاً وخُضُوعاً، وحذراً وخوفاً.
قال بعضهم : المراد بالسُّجود : الصَّلاة.
وقال بعضهم : المراد : سجودُ التِّلاوة.
وقل : المرادُ بالسُّجود : الخضوعُ والخشُوع عند التِّلاوة.
قال - صلوات الله وسلامه عليه - :" اتلُوا القُرآنَ، وابْكُوا، فإنْ لَمْ تَبْكُوا، فَتَبَاكَوْا ".
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٨٤
قوله تعالى :﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ الآية.
لما وصف الأنبياء بالمدح ترغيباً لنا في التأسي بهم ذرك بعدهم من بالضد
٨٦
منهم، فقال :﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي من بعد هؤلاء الأنبياء " خَلْفٌ " من أولادهم، يقال : خلفه إذا عقبه خلف سوء - بإسكان اللام - والخَلَف - بفتح اللام - الصالح، كما قالوا : وعد في ضمان الخير، ووعيد في ضمان الشر، وفي الحديث :" في الله خلفٌ من كل هالك " وفي الشعر : ٣٦١٠ - ذَهَبَ الذِينَ يُعَاشُ في أكْنَافِهِمْ
وبَقيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ
قال السديُّ : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم.
وقال مجاهد وقتادة : هم في هذه الأمة.
" أضاعُوا الصَّلاة " تركوا الصلاة المفروضة.
وقال ابن مسعود وإبراهيم : أخروها عن وقتها.
وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا يصلي العصر حتى تغرب الشمس.
" واتَّبعُوا الشَّهواتِ " قال ابن عباس : هم اليهود تركوا الصلاة وشربوا الخمور، واستحلوا نكاح الأخت من الأب.
وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة.
" فَسَوْفَ يقَوْنَ غيًّا " قال وهب وابن عباس وعطاء
٨٧
وكعب : هو وادٍ في جهنم بعيد قعره.
وقال أبو أمامة : مجازاة الآثام.
وقال الضحاك :" غَيًّا " : خسراناً.
وقيل : هلاكاً وقيل : عذاباً، ونقل الأخفش أنه قرئ " يُلَقَّوْنَ " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف من لقَّاه مضاعفاً.
وقوله :" يَلْقَوْنَ " ليس معناه " يرون " فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.
قوله :" إلاَّ من تَابَ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه استثناء متصل.
وقال الزجاج : هو منقطع.
وهذا بناء منه على أن المضيع للصلاة من الكفار.
وقرأ عبد الله والحسن والضحاك وجماعة " الصلوات " جمعاً.
وقرأ الحسن هنا وجميع ما في القرآن " يُدْخَلُونَ " مبنيًّا للمفعول.
٨٨
فصل " احتجوا " بقوله :﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ على أن الإيمان غير العمل، لأنه عطف العمل على الإيمان، والمعطوف غير المعطوف عليه.
أجاب الكعبي : بأنه تعالى فرق بين التوبة والإيمان، والتوبة من الإيمان فكذلك العمل الصالح يكون من الإيمان وإن فرق بينهما.
وهذا الجواب ضعيف، لأن عطف الإيمان على التوبة يقتضي المغايرة بينهما، لأن التوبة عزم على الترك، والإيمان إقرار بالله، وهما متغايران، فكذلك في هذه الصورة.
ولما بيَّن وعيد من لم يتب بيَّن أن من تاب وآمن وعمل صالحاً فلهم الجنة ولا يلحقهم ظلم.
وهنا سؤالان : السؤال الأول : الاستثناء دل على أنه لا بُدَّ من التوبة والإيمان والعمل الصالح، وليس الأمر كذلك، لأن من تاب عن الكفر ولم يدخل وقت الصلاة أو كانت المرأة حائضاً فإن الصلاة لا تجب عليه، وكذلك الصوم والزكاة فلو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر عنه عمل، فلم يجز توقف الأجر على العمل الصالح.
والجواب : ان هذه الصورة نادرة، والأحكام إنما تناط بالأعم الأغلب.
السؤال الثاني : قوله :﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾ يدل على أن الثواب مستحق بالعمل لا
٨٩


الصفحة التالية
Icon