القراءة ماض مبني للمفعول، وكان من حق قارئها أن يفتح الياء، ولكنه سكنه تخفيفاً.
وتحتمل هذه القراءة توجيهاً آخر سيأتي في قراءة متواترة في آخر سورة الأنبياء.
وقرأ علي بن أبي طالب - أيضاً - " نُنَحِّي " بحاء مهملة من التنحية.
ومفعول " اتَّقَوْا " محذوف مراد للعلم به، أي : اتقوا الشرك والظلم.
قوله :" جِثِيًّا " إمَّا مفعول ثان إن كان " نَذَرُ " يتعدى لاثنين بمعنى أن " نترك ونصير ".
وإمَّا حال إن جعلت " نَذَرُ " بمعنى نخليهم.
و " جَثِيًّا " على ما تقدم.
و " فيها " يجوز أن يتعلق بـ " نَذَرُ "، وأن يتعلق بـ " جِثِيًّا " إن كان حالاً ولا يجوز ذلك فيه إن كان مصدراً، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " جِثِيًّا "، لأنه في الأصل صفة لنكرة قدم عليها فنصب حالاً.
فصل اختلفوا في أنَّه كيف يندفع عن المتقين ضرر النار إذا ورودها بأنَّ القول هو الدخول.
فقيل :" البقعة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها ما لا نار فيه، وإذا كان كذلك لا يمتنع " أن يدخل الكل في جهنم، ويكون المؤمنون في تلك المواضع الخالية عن النار والكفار في وسط النار، وعن جابر أنَِّ رسول الله صلى الله عيله وسلم قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول بعضهم لبعض : أليس ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : قد دخلتموها وهي خامدة ".
وقيل : إنَّ الله - تعالى - يخمد النار فيعبرها المؤمنون، وتنهار بالكافرين.
قال ابن
١٢٠
عباس : يردونها كأنَّها إهالة.
وقيل : إنَّ الله - تعالى - يجعل النار الملاصقة لأبدان المؤمنين برداً وسلاماً كما جاء في الحديث المتقدم، وكما في حق إبراهيم - عليه السلام -، وكما في حق الكوز الواحد من الماء يشربه القبطي فيكون دماً، ويشربه الإسرائيلي فيكون ماء عذباً، وفي الحديث :" تقول النار للمؤمن جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " وعن مجاهد في قوله تعالى " ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ قال : من حُمَّ من المسلمين فقد وردها.
وفي الخبر " الحمى كنز من جهنم، وهي حظ المؤمن من النار " واعلم أنه لا بُدَّ من أحد هذه الوجوه في الملائكة الموكلين بالعذاب حتى يكونوا في النار مع المعاقبين.
فإن قيل : إذا لم يكن على المؤمنين عذاب في دخولهم فما الفائدة في ذلك الدخول ؟ فالجواب : أنَّ ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه.
وأيضاً : فيه مزيد غم على أهل النار حيث تظهر فضيحتهم عند من كان يخوفهم من النار فما كانوا يلتفتون إيله وأيضاً : إن المؤمنين إذا كانوا معهم في النار يبكتونهم فيزداد غم الكفار وسرور المؤمنين.
وأيضاً : فإن المؤمنين كانوا يخوفونهم بالحشر والنشر، ويستدلون على ذلك، فما كانوا يقبلون تلك الدلائل، فإذا دخلوا جهنم معهم أظهروا لهم أنهم كانوا صادقين فيما قالوه، وأنَّ المكذِّبين بالحشر والنشر كانوا كاذبين.
وأيضاً : إنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب صار سبباً لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة على ما قيل : وبضدها تتبين الأشياء.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩٧
قوله تعالى :﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ﴾ الآية.
١٢١
لما أقام الحجة، على مشركي قريش المنكرين للبعض، وأتبعه بالوعيد حكى عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام، فقالوا : لو كنتم انتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا، لأنَّ الحكيمَ لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة، وإنما كان الأمر بالعكس، فإنَّ الكفار في النعمة والراحة والاستعلاء، والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة، فدل على أنَّ الحق ليس من المؤمنين، هذا حاصل شبهتهم.
وقوله :﴿آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ﴾ أي : واضحات، وقيل : مرتلات، وقيل : ظاهرات الإعجاز.
﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا ااْ﴾ يعني فقراء أصحاب النبي ﷺ، وكانت فيهم قشافة، وفي عيشهم خشونةٌ، وفي ثيابهم رثاثةٌ، وكان المشركون يرجلون شعورهم، ويلبسون خير ثيابهم، فقالوا للمؤمنين ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً﴾ منزلاً ومسكناً، وهو موضع الإقامة، " وأحْسَنُ نديًّا " أي : مجلساً، ومثله النادي.
قوله :" مَقَاماً ".
قرأ ابن كثير " مُقَاماً " بالضم.
ورُوِيَتْ عن أبي عمرو، وهي قراءة ابن محيصن وهو موضع الإقامة والمنزل.
١٢٢