السادس : أنها حرف استفتاح، وهو قول " أبي حاتم ولتقرير هذه المذاهب موضع يليق به.
وقد قرئ هنا بالفتح والتنوين في كَلاَّ " هذه، وتروى عن ابن نهيك وحكى الزمخشري هذه القراءة، وعزاها لابن نهيك في قوله :﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ﴾ كما سيأتي ويحكى أيضاً قراءةٌ بضم الكاف والتنوين، ويعزيها لابن نهيك أيضاً ".
فأما قولهم : ابن نهيك، فليس لهم ابن نهيك، إنما لهم أبو نهبك بالكنية.
وفي قراءة الفتح " والتنوين أربعة أوجه : أحدها : أنَّه منصوبٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها تقديره " : كَلُّوا كَلاًّ، أي : أعيُوا عن الحقِّ إعياء، أو كلُّوا عن عبادة الله، لتهاونهم بها من قول العرب : كَلَّ السَّيْفُ، إذا نبا عن الضرب، وكلَّ زيدٌ، أي تعِبَ.
وقيل : المعنى : كلُّوا في دعواهم وانقطعوا.
والثاني : أنه مفعولٌ به بفعل مقدر من معنى الكلام، تقديره : حُمِّلُوا كلاًّ.
والكلُّ أيضاً : الثقل : تقول : فلان كلٌّ على الناس، ومنه قوله تعالى :﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ﴾ [النحل : ٧٦].
والثالث : أن " التنوين بدل من ألف " " كلاَّ "، وهي التي يراد بها الردع والزجر، فتكون حرفاً أيضاً.
قال الزمخشري : ولقائل أن يقول : غن صحت هذه الرواية، فهي " كلاَّ " التي
١٣٦
للردع " قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قوله :" قوارِيرا ".
قال أبو حيان : وهذا ليس بجيد، لأنه قال : التي للردع، " والتي للردع " حرف، وجه لقلب ألفها نوناً، وتشبيهه بـ " قَوَارِيراً " ليس بجيد، لنَّ " قَوَارِيرَ " اسم يرجع به إلى أصله، فالنون ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف، وهذا اجمع مختلف فيه أيتحتَّمُ منع صرفه أم يجوز ؟ قولان.
ومنقول أيضاً : أن بعض لغة العرب يصرفون ما لا ينصرف، فهذا القول، إما على قول من لا يرى بالتحتم، أو على تلك اللغة.
والرابع : أنه نعتٌ لـ " آلهة "، قاله ابن عطية.
وفيه نظر، إذ ليس المعنى على ذلك، وقد يظهر له وجه، " أن يكون وصف " الآلهة بالكلِّ الذي هو المصدر بمعنى الإعياء والعجز، كأنه قيل : آلهةٌ كالِّين، أي : عاجزين منقطعين.
ولمَّا وصفهم وصفهم بالمصدر وحده.
وروى ابن عطية والداني وغيره عن أبي نهيك أنه قرأ " كُلاًّ " بضم الكاف والتنوين، وفيها تأويلان : أحدهما : أن ينتصب على الحال، أي : سيكفرون جميعاً ؛ كذا قدره أبو البقاء، واستبعده.
والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدر، يرفضون، أي : يجحدون، أو يتركون كلاًّ،
١٣٧
قاله ابن عطية.
وحكى ابن جرير أن أبنا نهيك قرأ " كُلُّ " بضم الكاف ورفع اللام منونة على أنه مبتدأ والجملة الفعلية بعده خبره.
وظاهر عبارة هؤلاء أنه لم يقرأ بذلك إلا في " كلاًّ " الثانية.
وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب " ونُمِدُّ " من أمدَّ، وقد تقدم القول في مدَّهُ وأمدَّهُ.
قوله :: ونَرثهُ ما يقُولُ ".
يجوز في " مَا " وجهان : أحدهما : أن يكون مفعولاً بها، والضمير في " نَرِثُهُ " منصوب على إسقاط الخافض تقديره : ونرثُ منه " ما يقوله ".
والثاني : أن يكون بدلاً من الضمير في " نَرِثُهُ " بدل اشتمال.
وقدَّر بعضهم مضافاً قبل الموصول، أي : نرثه معنى ما يقول : أو مسمَّى ما يقول، وهو المال والولد، لأن نفس القول لا يورث.
" و " فَرْداً " حال إمَّا مقدرة نحو ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر : ٧٣]، أو مقارنة، وذلك مبنيٌّ على اختلاف معنى الآية ".
قوله تعالى :" سَنَكْتبُ " سنحفظ " ما يقُولُ " فنُجازيه في الآخرة.
وقيل : نأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول.
﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً﴾ أي : نزيده عذاباً فوق العذاب، وقيل : نطيل عذابه.
و " نَرِثهُ ما يقُولُ " " أي : ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال قوله، وقوله " مَا يَقُولُ "، لأنه زعم أنَّ له مالاً وولداً، أي : لا نعطيه ونعطي غيره، فيكون الإرث راجعاً إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول.
وقيل : معنى قوله " ونَرِثهُ ما يقُولُ " أي : نحفظ ما يقول حتى نجازيه به " ويَأتِينَا فَرْداً " يوم القيامة بلا مالٍ ولا ولد ".
١٣٨


الصفحة التالية
Icon