جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٣١
قوله :" إذ تَمْشِي " (في عامل هذا الظرف أوجه : أحدها : أنَّ العامل فيه " أَلْقِيَتُ "، أي : ألقيتُ عليكَ محبَّةٌ منِّي وقت مشي أختِك.
الثاني : أنه منصوب بقوله :" وَلِتُصْنَع "، أي : لتربَّى ويُحسنَ إليك في هذا الوقت : قال الزمخشري : والعامل في " إذ تَمْشِي " " أَلْقَيْتُ " أو " لِتُصْنَعَ " وقال أبو البقاء :" إذْ تَمْشِي " يجوز أن يتعلق بأحد الفعلين.
يعني بالفعلين ما تقدم من " أَلْقِيْتُ " أو " لِتُصْنَعَ " ).
وعلى هذا فيجوز أن تكون المسألة من باب التنازع لأن كلاًّ من هذين العاملين يطلب هذا الظرف من حيث المعنى، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول، وهذا إنما يتجه كل الاتجاه إذا جعلت " وَلِتُصْنَعَ " معطوفاً على علة محذوفة متعلقة بـ " أُلْقِيْتُ ".
أما إذا جعلته متعلقاً بفعلٍ مضمرٍ بعده فيبعد ذلك، أو يمتنع لكون الثاني صار من جملة أخرى.
الثالث : أن يكون " إذْ تَمْشِي " بدلاً من " إذْ أَوْحَيْنَا ".
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان ؟ قلت : كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل : لَقيتُ فَلاناً سَنَةَ كذا، فتقول : وَأَنَا لَقيتهُ إذْ ذاك، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها.
قال أبو
٢٤٠
حيان : وليس كما ذكره، لأن السنة تقبل الاتساع، فإذا وقع لقيهما فيها بخلاف هذين الطرفين، فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصيصهما بما أضيفا إليه، فلا يمكن أن يقع الثاني في الطرف الذي وقع فيه الأول، إذ الأول ليس متسعاً لوقوع الوحي فيه ووقع مشي الأخت، فليس وقت وقوع الوحي مشتملاً على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة.
قال شهاب الدين : وهذا تحامل منه عليه، فإن زمن اللقاء أيضاً ضيق لا يسع فعليهما، وإنما ذلك مبني على التساهل، إذ المراد أن الزمان مشتملٌ على فعليهما.
وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون بدلاً من (إذ) الأولى : لأنَّ مشيْ أختِه كان مِنَّةً عليه.
يعني أن قوله :" إذْ أَوْحَيْنَا " منصوب بقوله :( " مَنَنَّ " ) فإذا جُعِلَ " إذْ تَمْشِي " بدلاً منه كان أيضاً ممتناً به عليه.
الرابع : أن يكون العامل فيه مضمراً تقديره : اذكر إذ تَمْشِي، وهو على هذا مفعول به (لفساد المعنى على الظرفية).
قوله :﴿إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ﴾ (اسمها مريم).
يروي أنه فشا الخبر بمصر أن آل فرعون أخذوا غلاماً في النيل، وكان لا يرتضع من ثدي كل امرأة يؤتى بها، لأن الله - تعالى - حرَّم عليه المراضع غير أمه
٢٤١
واضطروا إلى تتبع النساء فخرجت أخته متعرفة خبره، فجاءت إليهم متنكرة فقالت :﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ﴾ أي على امرأة ترضعه ؟ قالوا نعم : فجاءت الأم، فَقَِبِلَ ثديها، فذلك قوله :﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ بلقائك.
قوله :﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾.
قرأ العامة " تَقَرَّ " بفتح التاء والقاف وقرأت فرقة :" تَقِرَّ " بكسر القاف، وقد تقدم في سورة مريم أنهما لغتان.
وقرأ جناح بن حبيش " تُقَرَّ " بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول " عَيْنُها " رفعاً لما لم يسم فاعله.
فإن قيل :(لو قال) : كي لا تحزن وتقرَّ عينُها كان الكلام مفيداً لأنه لا يلزم من عدم حصول الحزن حصول السرور لها، فلما قال أولاً ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ كان قوله " وَلاَ تَحزَن " فضلاً، لأنه متى حصل السرور وجب زوالُ الغمِّ لا محالة.
فالجواب : المراد تقرَّ عينُها بسبب وصولك إليها، ويزول عنها الحزن بسبب عدم وصول لبن غيرها إلى باطنك.
قوله :﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾، وهذه المنّة الخامسة.
قال ابن عباس : هو الرجل القبطي الذي قتله خطأ بأن (وكزه) حيث استغاثه الإسرائيلي إليه، فحصل له الغم من وجهين : الأول : من عقاب الدنيا، وهو اقتصاص فرعون منه على ما حكى الله تعالى عنه ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص : ١٨].
والثاني : من عقاب الله حيث قتله لا بأمر الله.
فنجاه الله - تعالى - من الغمين، أما من فرعون فوفق له المهاجرة إلى مدين، وأما من عقاب الآخرة (فلأن الله تعالى
٢٤٢
غفر له ذلك).
(قال كعب الأحبار : كان عمره إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة).
قوله :" فُتُوناً " فيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر على فُعُول كالقُعُود والجُلُوس، إلا أنَّ فُعُولاً قليل في المتعدي ومنه الشُّكُور والكُفُور والثُّبُور واللُّزُوم قال تعالى :﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ [الفرقان : ٦٢] وهذا على مذهبهم في تأكيد الأخبار بالمصادر، كقوله تعالى :﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ [النساء : ١٦٤].
والثاني : أنه جمع فِتْن أو فِتْنَة على ترك الاعتداء بتاء التأنيث كحُجُوزٍ
٢٤٣


الصفحة التالية
Icon