وقرأ الآخرون بإسكانها.
والمراد بالذكر تبليغ الرسالة.
وقيل : لا تفترا عن ذكر الله.
(والحكمة فيه) أنَّ مَنْ ذكر جلالَ الله استخف غيره، فلا يخاف أحداً، ويقوى روحه بذلك الذكر فلا يضعف في مقصوده، ومن ذكر الله فلا بد وأن يكون ذاكراً إحسانه (وذاكرُ إحسانه) لا يفتر في أداء أوامره.
وقيل : لاَ تَنِيَا في ذِكْرِي عند فرعون، وكيفية الذكر أن يذكرا لفرعون وقومه أنَّ الله تعالى لا يرضى منهم الكفر، ويذكرا لهم أمر الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٨٦
قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ ذكر المذهوب إليه في قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ وحذفه في الأول في قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ [طه : ٤٢] اختصاراً في الكلام.
وقال القفال : فيه وجهان : أحدهما : أن قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ [طه : ٤٢] يحتمل أن يكون كل واحد منهما مأموراً بالذهاب على الانفراد، فقيل مرة أخرى :" اذْهَبَا " ليعرفا أن المراد منه أن يشتغلا بذلك جميعاً لا أن ينفرد به أحدهما دون الآخر.
٢٥١
والثاني : أن قوله :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي﴾ [طه : ٤٢] أمر بالذهاب إلى كل الناس من بني إسرائيل وقوم فرعون، ثم قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ أمر بالذهاب إلى فرعون وحده.
قيل : وهذا فيه بُعْدٌ، بل الذهابان متوجهان لشيء واحد وهو فرعون، وقد حذف من كل الذهابين ما أثبته في الآخر، وذلك أنه حذف المذهوب إليه من الأول وأثبته في الثاني، وحذف المذهوب به، وهو " بِآيَاتِي " من الثاني وأثبته في الأول.
فإن قيل : قوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ خطاب من موسى وهارون، (وهارون عليه السلام) لم يكن حاضراً هناك، وكذا في قوله تعالى :﴿قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ [طه : ٤٥] وأجاب القفال بوجوه : أحدها : أن الكلام كام مع موسى إلا انه كان متبوع هارون، فجعل الخطاب معه خطاباً مع هارون، (وكلام هارون) على سبيل التقدير بالخطاب في تلك الحالة، وإن كان مع موسى - عليه السلام - وحده، إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله تعالى :﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ [البقرة : ٧٢] وقوله :﴿لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ﴾ [المنافقون : ٨] روي أن القائل هو عبد الله ابن أُبَيِّ وحده.
وثانيها : يحتمل أن الله تعالى لمَّا قال :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى ﴾ [طه : ٣٦] سكت حتى لقي أخاه، ثم إن الله - تعالى - خاطبهما بقوله :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾.
وثالثها : حكي في مصحف ابن مسعود " قال رَبَّنَا إنَّنَا نَخَافُُ " أي أنَا وأخي.
٢٥٢
قوله :﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً﴾ قرأ أبو معاذ " قَوْلاً لَيْناً " وهو تخفيف من لَيِّن كَمَيْت في ميِّت.
وقوله :" لَعَلَّهُ " فيه أوجه : أحدها : أن " لَعَلَّ " على بابها للترجي، وذلك بالنسبة إلى المرسل وهو موسى وهارون، أي اذهبا على رجائكماوطمعكما في إيمانه أي اذهبا مترجَيْن طامعَيْن، وهذا معنى قول الزمخشري ولا يستفقيم أن يرد ذلك في حق الله تعالى، إذ هو عالم بعواقب الأمور.
وعن سيبويه : كل ما ورد في القرآن من (لَعَلَّ، وَعَسَى) فهو من عند الله واجب.
يعني أنه يستحيل بقاء معناه في حق الله تعالى.
والثاني : أنَّ " لَعَلَّ " بمعنى (كَيْ) فتفيد العلية، وهذا قول الفراء قال : كما تقول : اعْمَلْ لَعَلَّكَ تأخذُ أجرَكَ، أي : كي تأخذَ.
والثالث : أنها استفهامية، أي : هل يتذكر أو يخشى ؟ وهذا قول ساقط، وذلك أنه يستحيل الاستفهام في حق الله تعالى كما يستحيل الترجي، فإذا كان لا بد من التأويل فجَعْلُ اللفظ على مدلوله باقياً أولى من إخراجه عنه.
فإن قيل : لِمَ أمر الله تعالى باللين مع الكافر الجاحد ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أنه قد ربَّى موسى - عليه السلام - فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق، وهاذ تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين.
٢٥٣


الصفحة التالية
Icon