يقال : ضَلِلْتُ كذا وضَلِلْتُه بفتح اللام وكسرها لغتان مشهورتان وأشهرهما الفتح.
والثاني : أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب - ساقها الله - تعالى - لمجرد الإخبار بذلك حكاية عن موسى.
وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وعيسى الثقفي وابن محيصن وحماد بن سلمة " لا يَضِلُّ " بضم الياء، أي لا يُضِلُّ رَبِّي الكِتَابَ، أي : لا يضيعُه، يقال : أضْلَلْتُ الشيء أي أضعته و " رَبِّي " فاعل على هذا التقدير.
وقيل : تقديره : لا يُضِلُّ أحدٌ رَبِّي عن علمه، أي من علم الكتاب، فيكون الربُّ منصوباً على التعظيم.
وفرِّق بعضهم بين ضَلَلْت وأَضْلَلْتُ، فقال : ضَلَلْتُ منزلي بغير ألف، وأضْلَلْتُ بعيري ونحوه من الحيوان بالألف، نقل ذلك الرماني عن العرب.
وقال الفراء : يقال : ضَلَلْتُ الشيْءَ إذا أخطأت في مكانه، وَضَلِلْتُ لغتان، فلم تهتد له كقوله : ضلَلْتُ الطريقَ والمنزلَ، ولا يقال : أَضْلَلْتُه إلا إذا ضاع منك كالدابة انفلتت وشبهها.
قوله :" وَلاَ يَنْسَى " في فاعل " يَنْسَى " قولان :
٢٧٣
أحدهما : أنه عائد على " رَبِّي " أي : ولا يَنْسَى رَبِّي ما أثبته في الكتاب.
والثاني : أن الفاعل ضمير عائد على " الكِتَابِ " على سبيل المجاز كما أسند إليه الإحصاء مجازاً في قوله :" إلا أحْصَاهَا " لما كان محلاً للإحصاء.
فصل قال مجاهد في قوله :﴿لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى﴾ : إن معنى اللفظين واحد أي : لا يذهب عليه شيء ولا يخفى عنه.
وفرق الأكثرون بينهما، فقال القفال : لا يَضِلُّ عن الأشياء ومعرفتها، وما عُلِم من ذلك لم ينسه، فاللفظ الأول إشارة إلى كونه عالماً بكل المعلومات، وقوله :" وَلاَ يَنْسَى " دليلٌ على بقاء ذلك العلم أبد الآباد، وهو إشارة إلى نفي التغير.
وقال مقاتل : لا يخطئ ذلك الكتاب رَبِّي، ولا يَنْسَى ما فيه.
(وقال الحسن : لا يخطئ وقت البعث ولا ينساه.
وقال أبو عمرو : وأصل الضلال الغيبوبة، والمعنى : لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.
وقال ابن جرير : لا يُخطئ في التدبير، فيعتقد فيما ليس بصواب كونه صواباً، وإذا عرفه لا ينساه).
وكلها متقاربة، والتحقيق هو الأول.
واعلم أن فرعون لمَّا سال موسى عن الإله فقال :" فَمَنْ رَبُّكُمَا " وكان ذلك ممّا سبيله الاستدلال، أجاب بالصواب بأوجز عبارة، وأحسن معنى، ولما سأله عن القُرون الأولى، وكان ذلك مما سبيله الإخبار لم يأته خبرمن ذلك، وكلها إلى عالم الغُيوب.
قوله :﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ في هذا الموصول وجهان : أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر، أو منصوب بإضمار أمدح، وهو على هذين التقديرين من كلام الله تعالى لا من كلام موسى، وإنما احتجنا إلى ذلك، لأن
٢٧٤
قوله :" فَأَخْرَجْنَا بِهِ " وقوله :﴿كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ﴾ وقوله :" مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ " إلى قوله :﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ لا يتأتى أن يكون من كلام موسى يعني : أنه وصف ربَّه تعالى بذلك، ثم التفت إلى الإخبار عن الله - تعالى - بلفظ التكلم ؟ قيل : إنما جعلناه التفاتاً في الوجه الأول، لأت المتكلم واحد بخلاف هذا فإنه لا يتأتى فيه الالفتات المذكور وأخواته من كلام الله.
والثاني : أن " الَّذِي " صفة لـ " رَبِّي "، فيكون في محل رفع أو نصب على حسب ما تقدم من إعراب " رَبِّي ".
وفيه ما تقدم من الإشكال في نظم الكلام من قوله :" فَأخْرَجْنَا " وأخواته من عدم جواز الالتفات، وإن كان قد قال بذلك الزمخشريي والحوفي.
وقال ابن عطية : إن كلام موسى تم عند قوله :﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ وأن قوله :" فَأخْرَجْنَا " إلى آخره من كلام الله تعالى.
وفيه بعد وقرأ الكوفيون
٢٧٥
" مَهْداً " بفتح الميم وسكون الهاء من غير ألف.
والباقون :" مَهَاداً " بكسر الميم وفتح الحاء وألف بعدها.
وفيه وجهان : أحدهما : ثال المفضل : إنَّهما مصدران بمعنى واحد يقال : مَهَّدْتُهُ مَهْدًا ومِهَاداً.
والثاني : أنهما مخلفان، فالمِهَادُ هو الاسم، والمَهْد هو الفعل كالفرش والفراش، فالفَرْش المصدر، والفراش اسم لما يُفْرَش.
أو أن مِهَاداً جمع مَهْد نحو فَرْخ وفرَاخ وكَعْب وكِعَاب.
ووصف الأرض بالمَهْد إما مبالغة، وإما على حذف مضاف أي ذات مَهْدِ.
قال أبو عبيد : الذي اختاره مِهَاداً وهو اسم والمَهْد الفعل.
وقال غيره : المَهْد الاسم والمِهَادُ الجمع كالفَرْش والفِرَاشِ.
أجاب أبو عبيد : بأن الفَرْشَ والفِرَاشَ فعل.
قوله :" شَتَّى " فَعْلَى، وألفه للتأنيث، وهو جمع الشَّتيت نحو مَرْضَى في جميع مَرِيض، وجَرْحَى في جمع جَرِيح، وقتلى في جمع قتيل.
٢٧٦


الصفحة التالية
Icon