قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ الآية.
هذه الرؤية بصرية فلما دخلت همزة النقل تعدت بها إلى اثنين أولهما الهاء والثاني " آيَاتِنَا ".
والمعنى : أبْصَرْنَاه، والإضافة هنا قائمة مقام التعريف العهدي، أي : الآيات المعروفة كالعصا واليد ونحوهما.
وإلا فَلَم يُرِ الله تعالى فرعون جميع آياته.
وجوَّز الزمخشري أن يراد بها الآيات على العموم، بمعنى أن موسى - عليه السلام - أراه الآية التي بعث بها وعدد عليه الآيات التي جاءت بها الرسل قبله عليهم السلام وهو نبيٌّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به.
قال أبو حيان : وفيه بُعد، لأن الإخبار بالشيء لا يسمَّى رؤية له إلا بمجاز بعيد
٢٨٠
وقيل : بل الرؤية هنا قلبية، فالمعنى : أعْلَمْنَاهُ، وأيَّد ذلك أنه لم يُرِه إلا العصا واليد فقط.
ومن جوَّز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، أو إعمال المشترك في معنييه يجيز أن يراد المعنيان جميعاً.
وتأكيد الآيات بـ " كُلَّها " يدل على إرادة العموم، لأنهم قالوا : فائدة التوكيد بكلٍّ واخواتها رفع توهم وضع الأخص موضع الأعم فلا يُدَّعى أنه أراد بالآيات آيات مخصوصة، وهذا يتمشى على أن الرؤية قلبية.
ويراد بالآيات ما يدل على وحدانية الله تعالى وصدق المبلِّغ، فأما الآيات الدالة على الوحدانية فقوله :﴿الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه : ٥٠]، وقوله :﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً﴾ [طه : ٥٣] إلى آخره.
وما ذكره في سورة الشعراء :﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ [الشعراء : ٢٣ - ٢٤] الآيات.
وأما الآيات الدالة على صدق المبلِّغ فهي الآيات التسع المختصة بموسى - عليه السلام -، وهي العَصَا، واليَد، وفلقُ البرح، والحجرُ، والجرَادُ، والقملُ، والضَّفَادِع، والدَّم، ونَتْقُ الجَبَلِ.
ومعنى " أَرَيْنَاهُ " عرَّفنا صحتها، وأوضحنا له وجه الدلالة فيها.
وإنا أضاف نفخَ الروح إلى نفسه فقال :﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ [الأنبياء : ٩١] مع أن النفخَ كان من جبريل (عليه السلام) - ولم يذكر مفعول التكذيب والإباء تعظيماً له، وهو معلوم.
قوله :﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا﴾ يعني الآيات التسع " فَكَذَّب " بها وزعم أنها سِحْرٌ " وَأبَى " أن يسلم.
فإن قيل : قوله :" كُلَّهَا " يفيد العموم، والله - تعالى - ما أراه جميع
٢٨١
الآيات، لأن من جملة الآيات ما أظهرها على أيدي الأنبياء قبل موسى - عليه السلام وبعده.
فالجواب : لفظ الكُلِّ وإنْ كانَ للعموم لكن قج يستعمل في الخصوص مع القرينة، كما يقال : دَخَلْتُ السوق فاشتريت كلَّ شيء، أو يقال إن موسى - عليه السلام - أراه آياته، وعدد عليه آيات غيره من الأنبياء، فكذَّب فرعونُ بالكُلِّ، أو يقالأ : تكذيب بعض المعجزات يقتضي تكذيب الكل، فحكى الله - تعالى - ذلك على الوجه الذي يلزم.
قال القاضي : الإباء الامتناع، وإنه لا يوصف به إلا من كَذَّبَ بتمكنٍ من الفعل والترك، ولأنه تعالى ذمَّه بأنه كذَّب، وبأنه أبَى، وإن لم يقدر على ما هو فيه لم يصح.
وهذا السؤال وجوابه تقدم ذمَّه بأنه كذَّب، وبأنه أبَى، وإن لم يقدر على ما هو فيه لم يصح.
وهذا السؤال وجوابه تقدم في سورة البقرة في ﴿إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ [٣٤].
قوله :﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾ يعني مصر ﴿بِسِحْرِكَ يا مُوسَى ﴾ وتركيب هذه الشبهة عجيب، وذلك لأنه ألقى في مسامعهم ما يصيرون مبغضين له جداً بقوله :﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾، لأن هذا مما يشق على الإنسان في النهاية، ولذلك جعله الله تعالى مساوياً للقتل في قوله ﴿اقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ﴾ [النساء : ٦٦]، ثم لما صاروا في نهاية البغض له أورد الشبهة الطاعنة في نبوته - عليه السلام - وهي أنَّ ما جئتنا به سِحْرٌ لا معجز، ولمَّا علم أنَّ المعجز إنما يتميز عن السحر، لكون المعجز مما يتعذر بمعارضته قال :﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ﴾.
قوله :" فَلَنَأتِيَنََّكَ " جواب قسم محذوف تقديره : والله لنأتينَّكَ.
وقوله " بِسِحْرٍ " يجوز أن يتعلق بالإتيان وهذا هو الظاهر.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل الإتيان أي ملتبسين بسحرٍ.
قوله :" مَوْعِداً " يجوز أن يكون زماناً كقوله :﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود : ٨١] ويرجحه قوله :﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾، (والمعنى : عَيَّن لنا وَقْتَ اجتماعنا، ولذبك أجابهم بقوله :﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ وضعَّفوا هذا بأنه ينبو عنه قوله :﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾.
٢٨٢


الصفحة التالية
Icon