الثالث : مجزوم على جواب الأمر، أي : إن تَضْرِبْ طريقاً يبساً لاَ تَخَفْ.
قوله :" دَرَكاً " قرأ أبو حَيْوة " دَرْكاً " بسكون الراء.
والدَّركُ والدَّرْكُ اسمان من الإدراك، أي : لا يُدْرك فرعونُ وجنودُه وتقدم الكلام عليهما في سورة النساء، وأن الكوفيين قرءوه بالسُّكون كأبي حيوة هنا.
قوله :" وَلاَ تَخْشَى " لم يقرأ بإثبات الألف، وكان من حق من قرأ " لاَ تَخَفْ " جزماً أن يقرأ " لاَ تَخْشَ " بحذفها كذا قال بعضهم وليس بشيء، لأن القراءة سنة، وفيها أوجه : أحدها : أن تكون حالاً، وفيه إشكال، وهو أنَّ المضارع المنفي بلا كالمثبت في عدم مباشرة الواو له، وتأويله على حذف مبتدأ، أي وأنت لا تخشى، كقوله :
٣٣٤
٣٦٨١ - نَجَوْتَ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا
والثاني : أنه مستأنف أخبره تعالى أنه لا يحصل له خوف.
والثالث : أنه مجزوم بحذف الحركة تقديراً، كقوله : ٣٦٨٢ - إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ
وَلاَ تَرضَّاهَا وَلاَ تَمَلُّقِ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٣١
وقوله :
٣٦٨٣ - كَأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أسِيراً يَمَانِيَا
ومنه " فَلاَ تَنْسَى " في أحد القولين إجراءً لحرف العلة مجرى الحرف الصحيح، وقد تقدم ذلك في سورة يوسف عند قوله تعالى " مَنْ يَتَّقِي ".
٣٣٥
الرابع : أنه مجزوم أيضاً بحذف حرف العلة، وهذه الألف ليست تلك، أعني لام الكلمة، إنما هي ألف إشباع أُتِيَ بها موافقة للفواصل ورؤوس الآي، فهي كالألف في قوله :" الرَّسُولا " و " السَّبِيلا "، و " الظُّنُونَا ".
وهذه الأوجه إنما يحتاج إليها من قراءة جزم " لاَ تَخَفْ "، وأما من قرأه مرفوعاً فهذا معطوف عليه، أي لا تَخَافُ إدْرَاكَ فرعون ولا تخشى الغرقَ.
قوله :﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ قال أبُو مسلم : يزعم رواة اللغة أنَّ " أتْبَعَهُمْ وتَبعَهُمْ " واحد، وذلك جائز ويحتمل أن تكون الباء زائدة، أي أتبَعَهُم فرعونُ جنوده كقوله :" لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي " (أسْرَى بِعَبْدِهِ).
وقال غيره : في بَاء " بجنوده " أوجه : أحدهما : أن تكون الباء للحال، وذلك على أن " أَتْبَعَ " متعد لاثنين حذف ثانيهما، والتقدير : فَأتْبَعَهُمْ فرعونُ عقابَه، وقدَّره أبو حيَّان : رُؤَسَاءَه وحشَمَهُ.
قال شهاب الدين : والأول أحسن.
٣٣٦
والثاني : أن الباءَ زائدة في المفعول الثاني.
والتقدير : فَأتْبَعَهُمْ فِرعون جنوده، كقوله تعالى :﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة : ١٩٥].
٣٦٨٤ - (.....................................
...........
لاَ يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ)
وأتبع قد جئتها متعدياً لاثنين مصرح بهما قال تعالى : وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَاتِهِمْ.
والثالث : أنها معدية على أن " أتْبَعَ "، قد يتعدى لواحد بمعنى تَبع ويجوز على هذا الوجه أن تكون الباء للحال أيضاً، بل هو الأظهر.
وقرأ أبو عمرو في رواية والحسن " فأتْبَعَهُمْ " بالتشديد، وكذلك قراءة الحسن في جميع القرآن إلا في قوله :﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات : ١٠] قوله :" مَا غَشِيَهُمْ " فاعل " غَشِيَهُمْ " وهذا من باب الاختصار وجوامع الكلم أي : ما يقل لفظها ويكثر معناها، أي فَغَشِيَهُمْ مَا لا يعلم كنهه إلا الله تعالى وقراءة الأعمش " فَغَشَّاهُمْ " مضعَّفاً، وفي الفاعل حينئذ ثلاثة أوجه : أحدها : أنه " مَا غَشَاهُمْ " كالقراءة قبله، أي غطَّاهم من اليَمِّ ما غطَّاهُم.
والثاني : هو ضمير الباري تعالى.
أي : فَغَشَّاهُم الله.
٣٣٧
والثالث : هو ضمير فرعون، لأنه السبب في إهلاكهم.
وعلى هذين الوجهين : فـ " مَا غَشَّاهُمْ " في محل نصب مفعولاً ثانياً.
فصل قيل : أمرَ فرعونُ جنوده أن يَتْبَعُوا موسى وقومه، وكان هو فيهم " فَغَشِيَهُمْ " أصابهم " مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ "، وهو الغرق.
وقيل :" غَشِيَهُمْ "، علاهم وسترهم ﴿مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ يريد بعض ماء اليم لا كلّه.
وقيل : غَشِيَهُم من اليَمِّ ما غشي قوم موسى فغرقوا هم ونَجَا موسى وقومه.
قوله :﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ أي بما أرشدهم، وهذا تكذيب لفرعون، وتهكم به في قوله :﴿وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر : ٢٩] احتج القاضي بقوله :﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ وقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال :" وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ " بل وجب أن يقال :" اللهُ أَضَلَّهُمْ "، لأن الله ذمَّه بذلك، فكيف يكون خالقاً للكفر، لأنَّ مَنْ ذمَّ غيره بشيء لا بد وأنْ يكون المذموم هو الذي فعله وإلا استحق الذم.
فصل قال ابن عبَّاس : لمَّا أمر تعالى موسى أن يقطعَ بقومه البحر، وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون الحُلِيّ والدواب لعيد يخرجون إليه، فخرج بهم
٣٣٨


الصفحة التالية
Icon