على أنه كان من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السَّامرة.
قاله الزجاج.
وقال عطاء عن ابن عباس كان الرجلُ من القبطِ جاراً لموسى وقد آمن رُوِيَ أنهم أقاموا بعد مفارقة موسى عشرين ليلة وحسبوها أربعين مع أيَّامِها، وقالوا قد أكملنا العدة، ثم كان أمر العجل بعد ذلك.
فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا وبين قوله لموسى عند مقدمه ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾.
فالجواب من وجهين : الأول : أنه تعالى أخبر عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته كقوله :﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر : ١] ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف : ٤٤] إلى غير ذلك.
الثاني : أنَّ السامري شرع في تدبير الأمر لما غاب موسى - عليه السلام - ثم رجع موسى إلى قومه بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٤٦
قوله :" غَضْبَانَ أَسِفاً " حالان، وقد تقدم في سورة الأعراف قيل : الأسف شدة الغضب، فلا يلزم التكرار، لأنَّ " غَضْبَانَ " يفيد أصل الغضب، و " أَسِفاً " يفيد كماله.
وقال الأكثرون : حُزْناً وجَزَعاً، يقال : أسف يأسَف أسَفاً فهو أسِفٌ، إذا
٣٥١
حزن.
وقيل : الأسف : المغتاط، وفرق بين الاغتياط والغضب، لأنَّ الله تعالى لا يوصف بالغيظ ويُوصَف من حيث أن الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه، والغيط تغيُّرٌ يلحقُ المُغتاط وذلك لا يصح إلى على الأجسام كالضحك والبكاء، ثم إن موسى - عليه السلام - عاتبهم بعد رجوعه فقال :﴿يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً﴾ قيل : المراد بالوعد الحسن إنزال التوراة.
وقيل : الثواب على الطاعات.
وقال مجاهد : العهد.
وهو قوله :﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ﴾ [طه : ٨١] إلى قوله :﴿ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه : ٨٢] (ويدل عليه قوله بعد ذلك) ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فكأنه قال أفنسيتم ذلك الذي قال الله لكم :" وَلاَ تَطْغوا " وقيل : الوعد الحسن هاهنا يحتمل أن يكون وعداً حسناً في منافع الدين وأن يكون في منافع الدنيا.
أما منافع الدين : فهو الوعد بإنزال الكتاب الهادي إلى الشرائع، والوعد بحصول الثواب العظيم في الآخرة.
وأما منافع الدنيا فإن الله تعالى قد وعدهم قبل إهلاك فرعون أن يورثهم أرضَهُم (ودِيارَهُم).
فإن قيل : قوله :﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ﴾ هذا الكلام إنما يتوجه عليهم لو كانوا معترفين بإلهٍ آخر سوى العجل، وأمَّا لمَّا اعتقدوا أنه لا إله سواه على ما أخبر الله عنهم أنهم قالوا :﴿هَذَآ إِلَاهُكُمْ وَإِلَاهُ مُوسَى ﴾ [طه : ٨٨] كيف يتوجه عليهم هذا الكلام ؟ فالجواب : أنهم كانوا معترفين بالإله لكنهم عبدوا العجل على التأويل الذي يذكره عبَّاد الأصنام.
قوله :" وَعْداً حَسَناً " يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً، والمفعول محذوف
٣٥٢
تقديره : وعدكم بالكتاب والهداية، أو يترك المفعول الثاني ليعم.
ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود فيكون هو المفعول الثاني.
قوله :﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ﴾ أيْ أقصيْتُم ذلك العهد.
وقيل : أفَطَالَ عليكم مدة مفارقتي إياكم.
وطول العهد يحتمل أموراً : أحدها : أفطال عليكم العهد بنعم الله من إنْجَائكُم من فرعون، وغير ذلك من النعم المذكورة في أول سورة البقرة كقوله تعالى :﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد : ١٦].
وثانيها : روي أنَّهم عرفوا أنَّ الأجل أربعون ليلةً فجعلوا كلَّ يوم بإزاء ليلة وردُّوه إلى عشرين.
قال القاضي : هذا ركيك لأن ذلك لا يكاد يشتبهه على أحد.
وثالثها : أنَّ موسى - عليه السلام - وعدهُم ثلاثين ليلةً فلما زاده الله فيها عشرة أخرى طال العهد.
قوله :﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ هذا لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأنَّ احداً لا يريد ذلك، ولكن المعضية (لما كانت) توجب ذلك، ومريد السبب مريد للمسبب، أي أرَدْتُّمْ أن تفعلوا فعلاً يوجب عليكم الغضب من ربكم.
﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي﴾، وهذا يدل على موعد كان فيه - عليه السلام - مع القوم،
٣٥٣