وقرأ أبو حيوة والشافعي (رضي الله عنه) وأبان بنصبه، جعلوها الناصبة.
والرؤية على الأولى يقينية، وعلى الثانية بصرية، وقد تقدم تحقيق هذين القولين (في المائدة).
والسَّامريُّ : منسوب لقبيلة يقال لها سامرة.
فصل دلَّت الآية على وجوب النظر في معرفة الله تعالى، وقال في آية أخرى ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ [الأعراف : ١٤٨]، وهو قريب من قوله في ذم عبدة الأصنام ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء : ٦٣]، أي لو كان يكلمهم لكان إلهاً، والشيء يجوز أن يكون مشروطاً بشروط كثيرة، وفوات منها يقتضي فوات المشروط، وحصول الواحد منها لا يقتضي حصول المشروط.
قال بعض اليهود لعليٍّ - رضي الله عنه - ما دَفَنْتُمْ نَبيَّكُمْ حتَّى اختلفتم.
فقال : اختلفنا عنه وما اختلفنا فيه، وأنتم ما جفَّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم اجعَلْ لَنَا إلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَة.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
قوله :﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ﴾ إنما قال ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق، أما شفقته على نفسه، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف
٣٦٠
والنهي عن المنكر، وكان مأموراً من عند أخيه موسى - عليه السلام - ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف : ١٤٢]، فلو كان يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنى المنكر كان مخالفاً لأمر الله ولأمر موسى وذلك لا يجوز.
وأما الشفقة على الخلق فلأن الإنسان يجب أن يكون مشفقاً على خلق الله خصوصاً على أبناء جنسه، وأي شفقة أعظم من أن يرى جَمعاً يتهافتون على النار فيمنعهم منها.
ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب، ثم إن هارون - عليه السلام - رأى القوم متهافتين على النار فيمنعهم منها.
ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب، ثم إن هارون - عليه السلام - رأى القوم متهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم بل صرح بالحق فقال :﴿يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾.
(واعلم أن هارون عليه السلام سَلَكَ في هذا الوعط أحسن الوجوه، لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله :﴿إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـانُ﴾ ) ثم دعا إلى ثالثاً إلى النبوة بقوله :" فَاتَّبِعُونِي " ثم دعاهم رابعاً بقوله " وَأَطِيعُوا أَمْرِي ".
وهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة الله تعالى، فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه.
وإنما قال :﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـانُ﴾ فخص هذا الموضع باسم الرحمن، تنبيهاً على أنهم متى تابوا قَبِلَ الله توبتهم، لأنه هو الرحمن، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون، ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في الاستدلال بالتقليد فقالوا :﴿لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾ كأنهم قالوا : لا نقبل حجتك ولكن نقبل قول موسى، وهذه عادة المقَلِّدِ.
قوله :﴿إِنَّمَا فُتِنتُمْ﴾.
قرأ العامة :﴿إِنَّمَا فُتِنتُمْ﴾ بالكسر فيهما، لأنها بعد القول لا بمعنى الظن وقرأت فرقة بفتحهما، وخُرِّجت على لغة سُلَيْم، وهي أنهم يفتحون " أنَّ " بعد القول مطلقاً.
٣٦١
وقرأ أبو عمرو في رواية الحسن وعيسى بن عمر بفتح " أنَّ ربَّكُمْ " فقط، وخرجت على وجهين : أحدهما : أنها وما بعدها في تأويل مصدر في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره : واللأمر أنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ، فهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات.
والثاني : أنها مجرورة مقدر، أي : لأنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ.
" فَاتَّبِعُونِي " وقد تقدم القول في نظير ذلك بالنسبة إلى هذه الفاء.
فصل لمَّا قالوا لهارون ﴿لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ﴾ أي : مقيمين على عبادة العجل ﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾ اعتزلهم هارون في اثني عشر ألفاً الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة، وكانوا يؤقصون حول العِجْل قال للسبعين الذين معه : هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله.
وقال له :﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ااْ﴾ أشركوا.
قوله :" إذْ " منصوب بـ " مَنَعَكَ "، أي : أي شيء منعك وقت ضلالهم.
و " لاَ " فيها قولان : أحدهما : أنَّها مزيدة، أي ما منعك من أن تتبعني.
والثاني : أنَّها دخلت حملاً على المعنى، إذ المعنى ما حملك على أن لا تتبعني، وما دَعَاك إلى أن لا تتبعني، ذكره عَلِيُّ بن عِيسَى.
وقد تقدم تحقيق هذين القولين في (سورة الأعراف، والقراءة في)، " يَبْنَؤُمَّ ".
فصل ومعنى تَتَّبِعني تتَّبع أمري ووصيَّتٍي، يعني هلاَّ قاتلتهم، وقد علمت أنِّي لو كنت
٣٦٢