جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٦٠
قوله :" يا بْنَ أُمِّ " قيل : إنما خاطبه بذلك ليدفعه عنه، ويتركه.
وقيل : كان أخاه لأمه.
واعلم أنه ليس في القرآن دلالة على أنَّه فَعَلَ ذلك، فإن النهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهي عنه لقوله تعالى :﴿وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب : ١، ٤٨] وإنما في القرآن أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه.
، وهذا القدر لا يدل على الاستحقاق بل قد يفعل لسائر الأغراض على ما بيناه.
قوله :﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ الجمهور على كسر اللام من اللحية، وهي الفصحى.
وفيها الفتح وبه قرأ عيسى بن سليمان الحجازي، والفتح لغة الحجاز ويجمع على لِحّى كقِرَب.
ونقل فيها الضم كما قالوا : صِوَرَ بالكسر وحقها بالضم.
والباء في " بِلِحْيَتِي " ليست زائدة إما لأنَّ المعنى لا يكن منك أخذ وإما لأن المفعول محذوف أي لا تأخُذْنِي.
ومن زعم زيادتها كهي في ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة : ١٩٥] فقد تعسف.
٣٦٦
فصل معنى قوله :" بِرَأْسِي " أي بِشَعْر رأسي، وكان قد أخذ بذوابته " إنِّي خَشِيتُ " لو أنكرت عليهم لصاروا حريين بقتل بعضهم بعضاً، فتقول أنت ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك :﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ [الأعراف : ١٤٢] لأي ارفق بهم.
قوله :﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ هذه الجملة محلها النصب نسقاً على ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَآئِيلَ﴾ أي أن تقول : فرقت بينهم وأن تقول :﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾.
وقرأ أبو جعفر " تُرقب " بضم حرف المضارعة من أرقب.
فإن قيل : إن قوله موسى - عليه السلام - " وما منعك أن لا تتبع أفعَصَيْتَ أمْرِي " يدل على أنه أمره بشيء، فكيف يحسن في جوابه أن يقال : إنما لم أمتثل قولك خوفاً من أن تقول " وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "، وهل يجوز مثل هذا الكلام على العاقل ؟ فالجواب : لعلَّ موسى - عليه السلام - إنما أمره بالذهاب إليه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى فساد القوم، فلما قال موسى " مَا مَنَعَكَ أَْنْ لاَ تَتَّبِعنِي " قال لأنك إنما أمرتني باتباعك إذا لم يحصل الفساد، فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقباً لك.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٦٦
قوله :﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يا سَامِرِيُّ﴾.
" مَا خَطْبُكَ " مبتدأ وخبر، وتقدم الكلام على الخَطب في يوسف، ومعناه هنا : ما أمرك وشأنُك، أي ما حملك على ما صنعت.
٣٦٧
وقال ابن عطيَّة هنا : إنه يقتضي إشهاراً، كأنه قال : ما نَحْسُكَ وما شُؤْمُك.
ورد عليه أبو حيَّان بقوله :﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ [الحجر : ٥٧، الذاريات : ٣١].
قوله :" بَصُرْتُ " يقال : بَصُر الشيء، أي : علمه، وأبصره أي : نظر إليه كذا قال الزجاج.
وقال غيره : بصر بالشيء وأبصره بمعنى : علمه.
والعامة علم ضم الصاد في الماضي ومضارعه وقرأ الأعمش وأبو السمال " بَصِرتُ " بالكسر " يَبْصَرُوا " بالفتح وهي لغة.
وعمرو بن عبيد بالبناء للمفعول في الفعلين، أي أُعْلِمْتُ بما لم يعلموا به، وقرأ الأخوان " تَبْصَرُوا " خطاباً لموسى وقومه أو تعظيماً له كقوله :﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ﴾
٣٦٨٦ - حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ
والباقون بالغيبة من قومه والعامة على فتح القاف من " قَبْضَة " وهي المرة من القبض.
قال الزمخشري : وأما القبضة فالمرة من القبض، وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر.
قال شهاب الدين : والنحاة يقولون : إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء تقول :
٣٦٨
هذه حلةٌ نسجُ اليمن، ولا تقول : نسجة اليمن، ويعترضوون بهذه الآية، ثم يجيبون بأن الممنوع إنما هو التاء الدالّة على التحديد لا على مجرد التأنيث، وهذه التاء دالة على مجرد التأنيث، وكذلك قوله :﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ﴾ [الزمر : ٦٧].
وقرأ الحسن " قُبْضَةٌ " بضم القاف وهي كالغُرْفَة والمُضْغَة في معنى المغروف والمقبوض.
وروي عنه " قُبْصَة " بالصاد المهملة.
والقَبْض بالمعجمة بجمع الكف، وبالمهملة بأطراف الأصابع، وله نظائر كالخضم وهو الكل بجميع الفم والقضم بمقدمه، والقضم قطع بانفصال والفصم بالفاء باتصال، وقد تقدَّم شيء من ذلك في البقرة.
وأدغم ابن محيصن الضاد المعجمة في تاء المتكلم مع إبقائه الإطباق.
وأدغم الأخوان وأبو عمرو الذال في التاء من " فَنَبَذْتُهَا ".
فصل لما أجاب هارون أخاه موسى بالجواب المتقدم أقبل موسى على السامريّ وقال له :" مَا خَطْبُكَ " أي : ما حملَكَ على ما فعلتَ ؟ فقال :﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ أي : رأيت
٣٦٩


الصفحة التالية
Icon