٣٦٩٩ - وَسْوَسَ يدعُو مُخْلصاً رَبَّ الفَلَقْ
فإذا قلت : وسوس له فمعناه لأجله كقوله :
٣٧٠٠ - أجْرِسْ لَهَا يَا ابْنَ أبِي كِبَاشِ
٤٠٦
ومعنى وسوس إليه أنهى الوسوسة كقوله : حدث إليه.
وقال أبو البقاء : عُدّي " وَسْوَسَ " بـ " إلى " لأنه بمعنى أسرَّ، وعداه في موضع آخر باللام، لكونه بمعنى ذَكَرَ له، أو تكون بمعنى لأجله.
قوله :﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ يعني على شجرة إن أكلتَ منها بَقيتَ مخلداً، ﴿وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ﴾ أي مَنْ أكل هذه الشجرة دام ملكه.
قال ابن الخطيب : واقعة آدم عجيبة، وذلك لأن الله تعالى رغَّبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله :﴿فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾ [طه : ١١٧ - ١١٩] ورغَّبه إبليس أيضاً في دوام الراحة بقوله :﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ وفي انتظام المعيشة بقوله :﴿وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ﴾ فكان الشيء الذي رغَّب (الله تعالى آدم) فيه هو الذي رغبه إبليس فيه إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة، وإبليس وقعه على الإقدام عليها، ثم إن آدم - عليه السلام - مع كمال عقله وعلمه (بان الله تعالى مولاه وناصره ومريبه، وأعلمه) بأن عدوه حيث امتنع من السجود له، وعرض نفسه للعنة بسبب عداوته، كيف قبل في الواقعة الواحدة والمقصود الواحد قول إبليس مع علمه بعداوته له، وأعرض عن قول الله تعالى مع علمه بأنه هو الناصر والمولى.
ومن تأمل هذا الباب طال تعجبه، وعرف آخر الأمر أنّ هذه القصة كالتنبيه على أنه لا دافع لقضاء الله، ولا مانع منه، وأن الدليل وإن كان في غاية الظهور ونهاية القوة فإنه لا يحصل النفع به إلا إذا قضى الله ذلك وقدره.
٤٠٧
روى البخاريُّ ومسلم أن النبي - ﷺ - قال :" احتجَّ آدمُ وموسى عند ربهما، فحَجَّ آدمُ موسى، قال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكتك وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض، فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق، قال موسى : بأربعين عاماً، قال آدم : فهل وجدت فيها ﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ ؟ قال نعم، قال أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة.
قال رسول الله - ﷺ - فحَجَّ آدمُ مُوسَى ".
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله - ﷺ - :" كَتَبَ الله مَقَادِير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وعَرْشُهُ على الماء " وقال :" كل شيء خلقه بقدر حتى العَجْز والكَيْسُ " قوله :" فَأكَلاَ مِنْهَا " يعني آدم وحواء.
﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾.
قال ابن عباس : عريا من النور الذي كان الله ألبسهما حتى بدت فروجهما.
وإنما جمع " سَوْآتِهِمَا " كما قال " " صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ".
﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ قال الزمخشري : طَفِقَ بفعل كذا مثل
٤٠٨
جعل يفعَلُ وأخَذَ وأنْشَأ، وحكمها حكم كاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً وبينها وبينه مسافة قصيرة.
وقرئ " يُخَصِّفان " للتكثير والتكرير من خصف النعل، وهو أن يخرز عليها الخصاف، أي : يلزقان الورق بسوآتهما للتستر، وهو ورق التين.
قوله :﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ﴾ بأكل الشجرة " فَغَوى " أي " فعل (ما لم يكن له فعله).
وقيل : أخطأ طريق الجنة وضلَّ حيث طلب الخلد بأكل ما نهي عن أكله فخاف ولم ينل مراده.
وقال ابن الأعرابي : أي : فسد عليه عيشه وصار من العز إلى الذل، ومن الراحة إلى التعب.
قال ابن قتيبة : يجوز أن يقال : عَصَى آدمُ، ولا يجوز أن يقال : آدم عاصٍ ولا يقال : هو خياط (حتى يعاوده ويعتاده).
قوله :" فَغَوَى " الجمهور على فتح الواو بعدها ألف وتقدم تفسيرها.
وقيل : معناه بشم من قولهم : غوي البعير بكسر الواو والياء إذا أصابه ذلك.
وحكى أبو البقاء هذه قراءة وفسروها بهذا المعنى.
٤٠٩


الصفحة التالية
Icon